استوعب لبنان حكومة وشعبا الصدمة الأولى للقرار الاتهامي في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وغلب مبدئيا منطق التعقل على منطق الثأر وردود الفعل العشوائية على الرغم من أجواء الاحتقان التي ساهم رجال السياسة في رفع سقفها. ولأول مرة منذ اغتيال الحريري عام 2005 لم يتلقف الشارع حدثا كبيرا كالقرار الاتهامي، ما عدا بعض التعبيرات المحدودة فرحا أو غضبا. وبدا اليوم الأول بعد القرار عاديا وطبيعيا بل إن ازدحام الشوارع لفت الأنظار خصوصا في بداية العطلة الأسبوعية، وتراجعت قليلا المظاهر العسكرية والأمنية التي كان الجيش بدأها. إلا أن الهدوء الظاهر الذي ميز ردة الفعل الشعبية سيكون موضع مراقبة، خصوصا أن هناك من يتحدث عن مرحلة حساسة تتعلق بمسار تنفيذ مذكرات الجلب بحق المتهمين الأربعة من حزب الله، وكيف سيتعاطى معها القضاء اللبناني والأطراف المعنية خصوصا حزب الله. وتلفت مصادر معنية بالملف إلى أهمية مراقبة تطور الموقف السياسي لقوى 14 آذار خصوصا تيار المستقبل، وعلى أي اتجاه سيرسو مع العلم أن مصادر في المستقبل تؤكد أن لا تراجع عن المطالبة والضغط لتنفيذ القرار الاتهامي. وقال النائب في تيار المستقبل عاطف مجدلاني: إنه إذا لم تتعامل الحكومة مع القرار بجدية سنبدأ معركة إسقاطها. ونقل عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اطمئنانه إلى عدم حصول فتنة في لبنان نتيجة القرار الاتهامي، داعيا إلى عدم العمل "على خلق حالة من الذعر والهلع والتوتر في البلاد"، مشيرا إلى أن "الأمور جيّدة وستأخذ مجراها سواء فيما يخصّ القضاء اللبناني والنائب العام سعيد ميرزا الذي تقع عليه لا على الحكومة مسؤولية متابعة إجراءات المحكمة والقرار الاتهامي". وفي المواقف السياسية، دعا رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط إلى "التلازم الحتمي بين الاستقرار والعدالة". وإذ أكد ضرورة "ألا نسقط في لعبة الأمم"، قال "كنت أول من حذر من ذلك". وشدد جنبلاط على "وجوب ترك الحكومة تقوم بواجباتها وأن يقوم القضاء بواجباته وكذلك القوى الأمنية"، مؤكدا أن "الحوار أساس وضرورة لحل كل المسائل". وفيما سيحدد الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله موقف حزبه من القرار اليوم، أكد وزير الداخلية مروان شربل أمس أن أسماء المتهمين الأربعة في مذكرات التوقيف هي نفسها التي تداولتها وسائل الإعلام أول من أمس، وهم مصطفى بدر الدين وسليم العياش وأسد صبرا وحسين عنيسي. وأشار إلى أن هذا الأمر "أفقدنا عنصر المفاجأة" في عملية البحث عن المتهمين وتوقيفهم. وفي أول رد فعل سوري، قال سفير سورية في لبنان علي عبدالكريم بعد لقائه ميقاتي "إن عملية التسريبات أفقدت القرار الاتهامي الكثير من صدقيته، خصوصا أن الإعلام الإسرائيلي كان أول من رحب به، وذكر مضامينه قبل الإعلان عنه بأيام". وفي لاهاي، رحب المدعي العام في محكمة لبنان الدولية دانيال بلمار، أمس بالتصديق على القرار الاتهامي وتسليمه إلى السلطات اللبنانية، مشيرا إلى احتمال تقديمه قرارات أخرى "في أي مرحلة". وقال بحسب بيان صادر عن مكتبه في لايدسندام قرب لاهاي "إن التحقيقات ما زالت مستمرة في مكتب المدعي العام، وكذلك العمل استعدادا للمحاكمة. ويمكن للمدعي العام أن يقدم قرارات اتهام إضافية إلى قاضي الإجراءات التمهيدية في أي مرحلة". من جهة ثانية، من المتوقع أن تكون جلسة مناقشة البيان الوزاري التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس المقبلة عاصفة وشديدة التوتر بين المعارضة والأكثرية على خلفية القرار الاتهامي الذي سيكون نجم الجلسة.