انشغل اللبنانيون أمس بتداعيات صدور القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وردود الفعل على الأنباء عن صدور 4 مذكرات توقيف في حق 4 عناصر من «حزب الله»، بينهم القيادي مصطفى بدر الدين، فيما انتقدت قوى المعارضة، لا سيما كتلة «المستقبل» النيابية، النصَّ المتعلق بالمحكمة الدولية في البيان الوزاري للحكومة، معتبرة انها «تنصلت من التزام لبنان بالمحكمة». وبينما حضت دول غربية عدة الحكومة اللبنانية على التعاون مع المحكمة وقراراتها، وبدا أن هذا التعاون سيكون تحت المراقبة في المرحلة المقبلة، اعتبر السفير السوري علي عبدالكريم علي، أن «التسريب الذي حصل (في شأن مذكرات التوقيف) أفقد القرار الاتهامي الكثير من صدقيته». وأصدر المدعي العام الدولي دانيال بلمار بياناً أمس، اعتبر فيه ان تقديم المتهمين الى القضاء «يتطلب التعاون المتواصل من قبل السلطات اللبنانية والدعم من المجتمع الدولي»، مشيراً الى انه يمكنه أن يقدم قرارات اتهامية إضافية الى قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين في أي مرحلة. وأجرى رئيس الحكومة السابق سعد الحريري اتصالاً هاتفياً بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، شكر له خلاله «الجهود التي بذلها والأمم المتحدة عموماً، في دعم المحكمة الخاصة بلبنان وصولاً الى إصدار القرار الاتهامي» في جريمة اغتيال والده. ومع اعلان المدعي العام التمييزي في لبنان القاضي سعيد ميرزا، أن الإجراءات القانونية لمذكرات التوقيف «أخذت طريقها الى التنفيذ وفقاً للأصول منذ أمس (أول من أمس)»، أوضح وزير الداخلية مروان شربل (الذي تتولى الضابطة العدلية الواقعة تحت سلطته إبلاغ المطلوبين)، أن «المسار القضائي يأخذ مجراه الطبيعي لكن لا نعلم إذا كنا سنخرج منه بسلة فارغة أم ملآنة»، وقال إن القوى الأمنية «ستبدأ جمع المعلومات بحثاً عن المتهمين لمحاولة توقيفهم». ويترقب اللبنانيون كلمة للأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله يتناول فيها القرار الاتهامي استناداً الى موقف الحزب المعلن بأن الحزب يعتبر نفسه غير معني بالمحكمة وقراراتها التي يعتبرها مسيّسة. وفي وقت لم يصدر أي رد فعل عن رئيس البرلمان نبيه بري حتى مساء أمس، كانت مرحلة ما بعد صدور القرار الاتهامي مدارَ بحث بين قيادتي حركة «أمل» و «حزب الله» باتجاه ضبط إيقاع حركة الشارع من أجل الحفاظ على الاستقرار العام وقطع الطريق على أي رد فعل يمكن أن يقحم البلد في فتنة مذهبية بين السنّة والشيعة. وعلمت «الحياة» أنه عُقد لهذه الغاية وبناء لرغبة الرئيس بري، لقاء موسع مساء أول من أمس شارك فيه عدد من المسؤولين الأمنيين للحزب والحركة، وانتهى الى التشديد، خصوصاً في بيروت باعتبارها الحاضنة الرئيسة للشيعة والسنّة، على عدم الانجرار الى أي رد فعل يمكن أن تترتب عليه تداعيات أمنية تفتح الباب أمام الإخلال بالأمن، وبالتالي ضرورة ضبط النفس الى أقصى الحدود والتعامل مع القرار الاتهامي بهدوء لا سيما ان الطرفين يعتبرانه مسيَّساً ويتعاطيان معه على هذا الأساس. وإذ دعا الرئيس بري الى جلسة للبرلمان اللبناني الثلثاء المقبل من أجل مناقشة البيان الوزاري للحكومة، التي ستشهد نقاشاً وسجالاً يشمل موضوع القرار الاتهامي، أصدرت كتلة «المستقبل» النيابية بياناً بعد اجتماعها برئاسة رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، أعلنت فيه انها ستحجب الثقة عن الحكومة، معتبرةً ان نص بيانها الوزاري عن «متابعة مسار المحكمة الدولية هو بمثابة إيقاع اللبنانيين في فخ تعميق الانقسام الداخلي». ورأت ان ما جاء في البيان «هو بمثابة قرار بالانقلاب على المحكمة والعدالة وحق الشهداء بدل أن تتقدم الصفوف لتدعم عمل المحكمة». وأكدت الكتلة ان «ما قبل صدور القرار الاتهامي غير ما بعده»، وأنه يستهدف «الشخص المتهم حصراً ولا يشمل عائلته أو طائفته أو جماعته». وعقد رئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط مؤتمراً صحافياً ذكّر فيه بأنه سبق أن نبّه الى التسريبات عن القرار الاتهامي، ودعا الى «أن نكون حذرين وأن نحكّم العقل وان نسير بهدوء في موضوع تثبيت العدالة والاستقرار»، معتبراً أنهما متلازمان. وإذ رفض جنبلاط الإجابة عن سؤال عما إذا كان القرار مسيّساً، لفتت إشارته الى «أننا أمام مرحلة جديدة تتطلب التحلي بالمسؤولية والوعي والعقلانية والهدوء»، ودعا الى «ترك الأمور تسير بهدوء والحكومة تقوم بواجباتها والقضاء يقوم بواجباته والقوى السياسية تقوم بواجباتها والمؤسسات الأمنية تقوم بواجباتها لتفادي الوقوع في المحظور». لكنه تحدث عن «تزامن مريب بين لحظة تسليم القرار الاتهامي الى القضاء اللبناني وتسريب الأسماء المعنية الى وسائل الإعلام»، مشيراً الى ان البيان الوزاري للحكومة، كما تصريحات رئيسها، «كان واضحاً لناحية الالتزام بالتعاون مع المحكمة الدولية وهو معاكس لما روّجته المعارضة في المرحلة السابقة». كما ذكّر بقول الرئيس الراحل رفيق الحريري ان «ما من أحد أكبر من بلده». وتعقد قيادات «قوى 14 آذار» اجتماعاً موسعاً مساء غد الأحد في فندق «بريستول» «لإجراء قراءة دقيقة ومتأنية للمرحلة المقبلة في ضوء صدور القرار الاتهامي». وعلمت «الحياة» من مصادر في المعارضة ان لدى 14 آذار توجهاً لإصدار بيان سياسي يؤسس للمرحلة الجديدة على قاعدة انتقاد موقف الحكومة من القرارات الدولية والمحكمة الخاصة بلبنان الوارد في بيانها الوزاري، على خلفية ان النص الذي تضمن «متابعة مسار المحكمة الخاصة بلبنان التي أنشئت مبدئياً لإحقاق الحق والعدالة بعيداً من أي تسييس أو انتقام وبما لا ينعكس سلباً على استقرار لبنان ووحدته وسلمه الأهلي»، لا يلزم الحكومة بشيء، وهو قابل للتأويل وصولاً الى إمكانية تغيير موقفها من المحكمة، بذريعة انه ليس نهائياً وإنما «مبدئي». وأكدت المصادر ان قوى 14 آذار ستتجنب في بيانها أي إشارة مباشرة أو غير مباشرة الى «حزب الله» وستركز على انتقاد غموض موقف الحكومة الفضفاض من المحكمة إضافة الى انها ستحدد ملامح المرحلة المقبلة والاحتمالات المترتبة على تداعيات القرار الاتهامي، «وهذا ما سيبرز في كلمات النواب في مناقشتهم للبيان الوزاري في جلسة الثقة، وصولاً الى تحميلها مسؤولية مباشرة في حال رفضها التعاون مع هذه المحكمة في المستقبل». وكانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون دعت الحكومة اللبنانية الى مواصلة التزام واجباتها بدعم المحكمة التي اعتبرتها غير مسيّسة. ورأت ان صدور القرار الاتهامي «خطوة مهمة في اتجاه العدالة». واجتمعت السفيرة الأميركية في بيروت مورا كونيللي الى ميقاتي مساء أمس، وعرضت معه موضوع القرار الاتهامي وموقف الحكومة منه. وقال مصدر فرنسي مسؤول ل «الحياة» في باريس، إن بيان الحكومة اللبنانية «كان يجب ان يبدي التزاماً أكبر بالقرارات الدولية والمحكمة، وإن خطاب ميقاتي بعد صدور القرار كان أفضل من بيان حكومته».