يمثل صمت الزوج داخل المنزل هاجساً كبيراً لدى الزوجة، فهو يقطع كل سبل التواصل بين الزوجين، ويحد من الحوار الذي يفترض أن يكون اللغة السائدة بين الأزواج، وقد بات "الخرس الزوجي" خطراً يهدد استقرار الأسر، فالزوج يفضل الصمت، والزوجة في المقابل تريد أن يتحدث زوجها، ويروي لها كل ما حدث له في يومه، ومن هنا تنشأ المشكلات، بينما تذكر إحدى الدراسات أن 79% من حالات الانفصال تعود إلى غياب الحوار بين الزوجين. تقول المعلمة فاطمة الزهراني إنها تعاني من صمت زوجها الدائم، والذي لا تجد له تفسيراً مطلقاً ، حيث أشارت إلى أنها كانت تعتقد أن فترات العمل الصباحي لها ولزوجها شكلت ذلك الفاصل بينهما وشيدت جداراً مانعاً يعيق التواصل بينهما. وذكرت هدى سالم (ربة منزل) أنها دائماً ما تحاول التقرب من زوجها الذي لا تجد لصمته مبرراً، مشيرة إلى أنها تحاول قدر استطاعتها أن تجذب زوجها لها بالحديث معه بأي شكل، إلا أن معاناتها مستمرة، مضيفة أنها وبعد أن أنجبت أولاداً بدأت تعاني من صمت زوجها مع أولادها، حيث بلغ أكبر أبنائها المرحلة الابتدائية، وأنها تبحث عن دور الأب المفقود في توعيتهم وحثهم على الحوار دون جدوى. وأوضحت هدى أن زوجها يذكر لها أحاديث مقتضبة ثم يعود لصمته من جديد، مبينة أنها حاولت مراراً أن تعرض على زوجها أن يزور عيادة نفسية طلباً للعلاج أو المشورة ، وأنه اعترف لها بأنه لا يجد حديثاً أو حواراً يفتحه مع عائلته أو زوجته على وجه الخصوص. وقال مدير مركز القوات المسلحة للرعاية النفسية بالطائف الدكتور أحمد الناشري إن الخرس العائلي أو الخرس الزواجي يؤدي بمرور الوقت إلى حدوث نكسة وفشل أسري، وأنه يهدد استمرار الحياة الزوجية واستقرارها، ويخلق وحشة داخلية بين الطرفين. إضافة إلى فقد الأبناء لحسن الحوار، وميلهم لعلاقات بديلة خارج نطاق الأسرة، وكذلك تزايد حالات الصدام بين الطرفين. واعترض الناشري على القول بأن الزواج شراكة بين الطرفين، مشيراً إلى أن الشراكة تعني المصالح، وأن أي أمر يبنى على المصالح يحتمل السلبية أو الإيجابية، موضحاً أن الزواج علاقة ومثلث سعيد يعتمد على المودة والرحمة والسكن. وقال إن الزواج عطاء شرعي، والتزام أخلاقي مبني على القبول، وينظم خصوصية العلاقة في إطار الحقوق والواجبات، وعلى أساس الرحمة والطمأنينة، مؤكداً أن الحياة الأسرية الهانئة لا تقوم إلا بالاستقامة والثقة، وتحمل المسؤولية والقناعة، ومن خلال تلك الأمور نحقق الأمن النفسي والاستقرار، ونبني مجتمعاً صالحاً. وعن معززات الاستقرار النفسي للأسرة قال "لا بد من توافر الحب والطمأنينة والرحمة والثقة والرضا والتعاون والتفاهم وتوزيع الأدوار ، مشيراً إلى أن سلم الاستقرار النفسي الأسري يكون بحسن الاختيار للطرفين والكفاءة والواقعية والألفة"، مؤكداً أن الاستقرار النفسي يعتبر مصدراً للأمن النفسي، وصمام أمان لاستمرار حياة الأسرة، وأنه يعتبر مضاداً للمشاكل ومقوي للجهاز المناعي. وأشار الناشري إلى أن عشر زوجات من كل 100 زوجة يعانين من صمت الأزواج وأن 79% من حالات الانفصال تعود إلى عدم تعبير الزوج عن عواطفه، وعدم وجود حوار إيجابي، وأن 60% من الرجال يفضلون الحديث عن الجوانب الرياضية والسياسية، بينما 18% منهم يتحدثون عن أنفسهم، و41% من النساء يفضلن الحديث عن المشاعر والعلاقات الإنسانية. وأوضح أن من أسباب التصحر أو الجفاف العاطفي الاختيار الخاطئ أو المتسرع ، وعدم فهم الزوجين لبعضهما، والتركيز على ذات كل منهما، والاهتمام بالرغبات الشخصية. وأكد الدكتور الناشري بأن أسرار الارتباط الوثيق بين الزوجين التواد والتراحم والسكن والانسجام وكذلك الألفة النفسية والشعور بالأنس واللياقة النفسية، ونبذ الغيرة والرضا، ذاكراً مفاتيح ومداخل القلوب السهلة، ومنها الابتسامة الجميلة، وهي العلامة الصامتة ليفهم الآخرون أنك تحبهم. وأكد أن الحوار بين الأزواج ينبغي أن يكون على درجة من الوعي والثقافة، وأن يفتتح هذا الحوار بأحب الأسماء إلى الزوجين، مع ضرورة التشديد على اختيار الوقت المناسب لفتح الحوار. وأوضح الأخصائي النفسي بجدة الدكتور عدنان عاشور أن الصمت يحدث عند فتور الحياة الزوجية، وكثرة المشاغل، وعند إرهاق الزوج، وبعض الأمراض النفسية تساهم في ذلك الصمت الزواجي، وخاصة الانفصام البسيط. وأضاف أن التعبير عن المشاعر له دور كبير في نجاح العلاقة الزوجية، والزوجة دائما تحتاج للكلمة الطيبة، وهذه الكلمة تنعكس على الزوج بالأضعاف فيما بعد.