كما أن الحياة الزوجية مقر للأمن والاطمئنان النفسي بين الزوجين، إلا أنها في أوقات أخرى قد تشهد انفصالاً نفسياً جراء بعض السلوكيات الخاطئة أو التعامل السيئ بين الطرفين، ومن ذلك قضية "تهميش" الزوجات، حيث تُفاجأ الزوجة بأن زوجها يتعامل معها بعدم مبالاة ويلغي دورها في الأسرة! مما قد يُشعرها بأن لا قيمة لها في هذا الكيان الأسري! ومن ثمّ يحدث الانفصام في العلاقة الزوجية بينهما. "الرسالة" فتحت هذا الملف من خلال استفهامات متعددة؛ فما هو التهميش؟ وما مظاهره؟ وما هي الأسباب التي تدعو الرجل إلى ذلك؟ وما هي طرق العلاج؟ وغيرها من المحاور في مضابط هذا التحقيق: سلوكيات خادشة! بدايةً يوضح الدكتور هاني بن عبد الله الغامدي المحلل النفسي ومستشار العلاقات الأسرية والمجتمعية أن ثمة سلوكيات تخدش الحياة الزوجية فقال: تعتمد الحياة الزوجية على أسس لا يمكن أن تستقيم إلا بوجودها، وتلك الأسس هي التي تعطي التفسير لمعنى المودة والرحمة والسكن والتي ذكرت في القرآن الكريم، ولتطبيق هذه الأسس يجب أن يكون هناك اعتقاد قوي في نفس الزوج والزوجة لممارسة هذه المعاني، وحينما يتم الإخلال بها فإن الحياة الزوجية تضطرب وتخرج عن المسار المحدد لها، ومن هذه الأمور نجد أن هناك بعض الأزواج يمارسون بعض السلوكيات التي تضرب المعاني السابقة في مقتل، فعدم وجود مشاركة للزوجة في إدارة بيت الزوجية، وما تعانيه بعض الزوجات من تهميش، سواء في الأمور والواجبات الفطرية الشرعية أو المهام اليومية فإن ذلك كله يعطي المعنى بعدم التوافق والتفهم من الزوج تجاه زوجته. واستطرد الغامدي قائلاً: على هذا الأساس فإنني أجد أن معظم المشاكل الأسرية التي تأتيني تحمل في جانبها نوعا من الإقصاء والتهميش المقصود من قبل الزوج لزوجته، وحينما نتباحث في الأمر نجد أن الزوجة إما أن تكون قد تسببت في ما آل إليه الأمر، أو أن الزوج لديه نظرة مختلفة رسخت مع الزمن تجاه زوجته، والمسبب لتلك النظرة إما التقصير المتكرر والمتراكم من قبل الزوجة أو أن الزوج له رغبة في أن يقترن بأخرى، لأن الفطرة الطبيعية لدى الرجل والمرأة هي إشباع الغريزة، فبالتالي هو يخطط بشكل أو بآخر للبحث عمن تعطيه ذلك الإشباع. وهناك أيضا من الأزواج من يعتقد أن التهميش أو الانعزال هو أمر ديني بحيث أن معاقبة الزوجة بالهجر في الفراش هو من أساليب تقويم الزوجة وهذا للأسف منطلق فكري قاصر لم ينظر إلى المعنى القرآني بالشكل الصحيح، حيث أن الهجر في الفراش لا يكون عقاباً مستمراً ليس له حدود، إنما هو عقاب ذو مؤشر ورمزية لأمر معين ومحدد دون استمراء أو هروب من التي لم تعد لها مكانة عاطفية ومشاعرية لديه. مظاهر التهميش! وأوضح الغامدي أن بعض الأزواج لا يقوم بواجباته الأسرية من جراء تهميشه لزوجته فيقول: هناك بعض الأزواج الذين لا يوجد لديهم التفكير في الأبعاد التي تؤثر في المرأة من خلال تهميشهم لدورها وأن عليها من المسؤوليات والمهام ما توجب عليه المشاركة بشكل فاعل في بيت الزوجية، فنجد أنه منعزل تماماً أمام تنفيذ مهامه كزوج فلا يصرف ولا يعطي ولا يشتري ولا يفعل أي من الأمور المطلوبة منه، إنما يرمي الأمر برمته على كاهل الزوجة معبراً بذلك عن أنانيته وعدم احترامه لمفهوم كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، ومتجاوزاً كل معاني الرجولة في أن يقوم بواجباته، والتفكير في التأثير النفسي البالغ الذي سيتركه في نفس الزوجة والأبناء جراء إهماله لهم. وختم الغامدي قائلاً: للأسف قد نجده مقداماً أمام نزواته ورغباته حينما يكون الأمر مناسباً له، سواء في سفره مع أصدقائه أو سهره معهم إلى ساعات متأخرة من الليل، أو الاهتمام بنفسه وطلباته دون التمعن في أن كل ذلك يهز مكانته كرجل في نظر زوجته، وبالتالي يفقده معنى القوامة الحقة في نظرها، مما يؤدي إلى تبعات نفسية تدفع تلك الزوجة لأن تفقد معنى الأمان والحنان والمشاعر تجاه من تتمنى بأن تكون تحت ظله، لا أن يترك لها مملكتها لتحاول هي بدورها أن تجد من يقف معها لمساعدتها، مما قد يوقعها في فخ من لا يخاف الله لتنشأ علاقات محرمة من خلال طلب المساعدات منهم، وهذا للأسف نتيجة للمسبب الذي تسبب فيه الزوج دون أن يفكر في التبعات. أسباب ودوافع ويُشارك د.مازن الفريح "المهتم بشؤون الأسرة" حيث يُعرف مشكلة تهميش الزوجات بقوله: هو الانشغال عن الزوجة وعدم الانفتاح معها وإشراكها في آلامه وآماله وضعف الاهتمام بها، ومن مظاهر تهميش الزوجة: قلة المكوث في البيت إلا عند النوم والأكل، ندرة الحديث مع الزوجة وضيق مساحة الحوار بينهما، إيثار الآخرين عليها (أهل الزوج- الأصدقاء-العمل...الخ)، الانشغال بأعماله الخاصة، التهرب من الارتباطات الزوجية ومحاولة تأجيلها وإلغائها. وأكمل الفريح حديثه موضحاً الأسباب التي تؤدي إلى هذه المشكلة فقال إن منها: عدم الانسجام بين الزوجين، كثرة المشكلات الأسرية، إيثار الغنى المادي والتكالب على الدنيا ، التفاوت الثقافي، والتباين الكبير في المستوى التفكير، واختلاف الآراء والمواقف، التفاوت العمري، عدم تهيئة البيئة المنزلية للسعادة الزوجية، إتباع الشهوات وصحبة السوء، العلاقات الآثمة. سُبل العلاج! وختم الفريح حديثه مُبيناً سُبل علاج مشكلة تهميش الزوجات فقال: الحرص على تحقيق الانسجام الزوجي من خلال التأقلم والتوائم، تجنب أسباب المشكلات وتقليل فتراتها وذلك من خلال التنازل عن بعض الحقوق الشخصية والتضحية ببعض الحظوظ الذاتية، تهيئة البيئة المنزلية وتوفير الأمن النفسي والسكينة والطمأنينة والراحة (ترتيب- النظافة- تنظيم - حل مشكلات الأطفال- الإتقان)، الاجتهاد في تحقيق التقارب الثقافي والتواصل الفكري، فتح الزوجة لأبواب التحاور والحديث مع اختيار الوقت والموضوع المناسبين، التناصح الإيماني والتذكير بحقيقة الحياة الدنيا، العناية بالتجمل والتطيب مع خفة ظل وجمال روح، الوصية بالابتعاد عن أصحاب السوء والتحذير من عواقب العلاقات الآثمة. خلل بين الأزواج! ومن جهة أخرى تُبدي الأستاذة ألماس الهجن المستشار الأسري المعتمد من مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني وعضو مجلس إدارة جمعية الشقائق الاجتماعية بجدة رأيها عن التهميش فتقول: التهميش هو مظهر سيئ من مظاهر التعامل الإنساني لأن الحياة الزوجية عبارة عن مشاركة بين الطرفين من خلال التفاهم والانسجام بين وجهات النظر، فإذا حدث التهميش من قبل الزوجة أو الزوج فإنه سيحدث خلل في العلاقة الزوجية حيث تكون إدارتها لطرف واحد فقط، ولابد أن يكون هناك قائد وهو الزوج لكن يجب أن تكون للمرأة قيادة أسرية في البيت، فلابد من استشارتها في كثير من الأمور لأن تهميش المرأة يجعلها أداة منفذة وليس لديها القدرة على اتخاذ أي قرار، وبالتالي تصبح لا قيمة لها بالبيت فتشعر بالدونية وتبدأ الضغوط النفسية التي قد تولد أمراضا نفسية مثلا الاكتئاب والغيرة والحسد والكيد لأقارب الزوج وإسقاط هذه المشاعر السيئة على حياتها وعلى أبنائها. فعدم إعطاء المرأة مساحة من التقدير والاحترام والاهتمام يجعلها تشعر بمشاعر سيئة تنعكس على نفسيتها. كذلك العكس لو أن المرأة همشت الزوج ولم تعطه أهمية في حياتها وحياة أبنائها. دوافع السلوك وتُضيف الهجن موضحة أسباب التهميش فتقول: هناك أسباب ظاهرة واضحة وأخرى خفية فهناك وكما تقول القاعدة: "لا سلوك بدون دافع" فمن الأسباب: خوف المرأة من سيطرة الرجل على البيت فتهمشه لتتمكن من أخذ حريتها، وبالعكس قد يتصور الرجل أن المرأة لو أعطيت مساحة للاختيار قد تتمرد عليه! وهذا يمكن علاجه بإرشاد الزوج بأهمية احترام كيان المرأة، وأن هذا الأمر يؤثر على الأبناء بشكل قوي. أما الأسباب غير الواضحة فقد تكون في العقل الباطن، وهذه الدوافع قد تكون ناتجة عن صدمات أو تجارب سابقة، فيبدأ الزوج في التصرف منفرداً ويتحاشى التعامل المباشر مع الزوجة ويتخذ قرارات تكون الزوجة آخر من يعلم بها. فالتهميش هي رسالة نفسية يرسلها أحد الزوجين فهو يقول للطرف الآخر "أنت لا تهمني". وتمضي قائلة: العلاج يكون عن طريق الحوار بين الزوجين وأن تتفهم الزوجة الدوافع الحقيقية وراء هذا التهميش، وتحاول استفسار الزوج عن دوافعه لتهميشها، وتناقشه في المبررات، ومن ثم تظهر له الحب والاحترام والتقدير، وتبدي رأيها بهدوء، وأن تثبت له بالواقع العملي أنها محل ثقة واحترام، وهناك حاجة بسيطة وخاصة في بعض حالات السيطرة الكاملة وغير الواعية من بعض النساء، مثل تدخل الزوجة في علاقة الزوج بأمه أو أخواته أو أقاربه وتدخلها الزائد ببعض الأمور بشكل مزعج فهنا التغافل عن الزوجة قد يساعد على التخفيف من المشاكل، فهذا التغافل والتهميش قد يكون في مواطن هو جرعة دوائية لكن الدواء لو زاد عن جرعته سينقلب إلى سم قاتل.