أنهي ملتقى النص في دورته الحادية عشرة مساء أمس جلساته بثلاث أوراق لكل من لمياء باعشن و عالي القرشي و محمد نجيب العمامي، وسط حشد كبير ضاقت بهم صالة المحاضرات في فندق الحمراء سوفيتيل بجدة ، وأثارت الأوراق المقدمة جملة من النقاشات والأسئلة ، التي دارت بين الباحثين والجمهور ، وكانت ورقة باعشن " التآمر اللغوي ومناورات الاجتياح والمحو في رواية "غير وغير" لهاجر مكي " الأكثر إثارة، وموضع خلاف بين المتحدثين ، فبينما وصفها عزت خطاب بأنها لم تخبر ماذا تقول الرواية ، "وهل هذه رواية حقاً أم أنها لعبة ألفاظ ، أنا لم أفهم من هذه الرواية شيئاً" ، وصف حميد الحميدان الرواية بأنها ظاهرة إبداعية فريدة ، وأن الباحثة أبدعت في عرض موضوعها فكان لدينا رواية مسكونة وناقدة مسكونة ، لا يمكنها إلا أن تقدم نقداً يلسع ، على حد تعبيره. وانتهت الجلسات بكلمات متبادلة بين المشاركين والنادي الأدبي ، وقال الدكتور محمد بو هلال نيابة عن المشاركين أن الملتقى نجح نجاحاً عظيماً بفعل إخلاص المنظمين له ، ووفر فرصة كبيرة للالتقاء والتعارف، وأتاح لنا التعرف على الجوانب الحضرية والمدنية للمملكة. في حين ألقى رئيس نادي جدة الأدبي ( منظم الملتقى) عبد المحسن القحطاني كلمة قال فيها (النادي يفرح بوجودكم، وقد أصبح لدينا عدد كبير من الباحثين الذين يتواصلون مع النادي، حيث كتبنا ل 60 باحثاً وباحثة استجاب منهم 35 وبعضهم اعتذر في اللحظات الأخيرة ، ونحن نريد منكم وأنتم تغادرون هذا المكان أن تكتبوا لنا ملاحظاتكم لأنه من دونها لا نعرف رأيكم الصريح بما قمنا به، و لن نتمكن من التطور. وكان لافتاً في كلمة المسؤول الإداري بالنادي حسن النعمي شكره للحضور ، وقال لن أشكر مجلس الإدارة فهذا دوره لكنني أشكر جميع العاملين في النادي، وبدأ يعدد أسماءهم ومنهم موظفون ومستخدمون وحراس وسط تصفيق حاد من الحضور، بينما كان القحطاني يتلقى التهاني من عديد الحضور على النجاح. وكانت جلسات الملتقى قد سجلت في يومها الثاني أمس مستوى رفيعاً في الطرح ، بدءاً من جلستي الصباح اللتين أدارتهما كل من فاطمة الياس و يوسف العارف، مع تفاوت طفيف في تناول موضوعات متنوعة من حيث الجودة والثراء الفكري ، وكانت أوراق كل من إبراهيم ضوه "أعلام الإنسان في العربية المعاصرة " ومحمد العباس " اللغة والخطاب الإعلامي" و حاتم الفنطاسي في "بلاغة الخطاب السياسي " و محمد زكريا عناني" اللغة والخطاب الإعلامي لافتة جداً . أما ورقة صلاح الدين حسنين التحليل اللغوي للرواية " الشياطين الحمر أنموذجاً" وهي رواية لغالب حمزة أبو الفرج فسجلت عليها ملاحظات عديدة، حيث وصفها علي العيدروس بأنها لم تتضمن تحليلاً لغوياً للرواية ، بينما قال سلطان القحطاني بأن ما سماها صلاح الدين حسين رواية هي مجرد بضعة مقالات نشرها أبو الفرج في المدينة ثم صنع منها رواية . وفي الجلسة الأولى التي شارك فيها بثينة الجلاصي ، محمد صالح الدحيم، محمد الرفاعي ، وحسين مكتبي ، انصب الاهتمام على الجانب الديني حتى وصفها محمد العباس بأنها جلسة ذات طابع فقهي . لكن السؤال الكبير الذي طرح حول الجلسات جاء من سلطان القحطاني حين قال : تكاد تنتهي جلساتنا كلها ، وقد سمعت كثيراً عن اللغة لكني لم أسمع شيئاً عن الإنسان. وكانت أكثر الأوراق تشويقاً والتي أنصت لها الحضور باهتمام كبير ، مع عرض توضيحي على الشاشة هي ورقة إبراهيم ضوه التي تناول فيها موضوعاً طريفاً وجديداً عن علاقة أسماء الأشخاص ببيئتهم ، حيث يكون للأسماء قيمة اجتماعية ، وتعكس لوناً من ألوان التفكير الإنساني ، وتظهر شيئاً من معالم حضارة الأمة ، وتعطي صورة للمستوى الحضاري الثقافي الذي يمر به مجتمع من المجتمعات، وتناول ضوه موضوعه من زاويتين لغوية واجتماعية ، وإذا كان الإنسان يمتلك حريته كاملة في تسمية مولوده حتى لو تعارض ذلك مع قيم المجتمع ، فإن البحث في أعلام الإنسان "أي أسمائه" محفوف بالمخاطر والصعوبات ، فقد يصل الباحث إلى نتيجة ما ، لكن تلك النتيجة ربما تكون قد خولفت قبل أن يجف المداد الذي كتب به، ومن هنا تأتي أهمية البحث وشغلت ورقة الدكتور الفنطاسي " في بلاغة الخطاب السياسي "حيزاً من اهتمام الحضور حيث ترددت أسماء بورقيبة والسادات وعبد الناصر وبريجينيف، وصدام حسين ، وموسوليني وغيرهم ، وساق جملة من بلاغيات الخطب مركزاً على الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة ، والذي عرض لخطبة له باللهجة العامية التونسية في بضعة كلمات، قلبت مواقف المتظاهرين ضده في الشارع رأساً على عقب، حيث تحولت الهتافات إلى تأييد له ولسياسته .