لكل منا فراغه الخاص به وركنٌ سرّي بذاكرته يعود إليه، وكلما شعر بخواء مريع هرب لركنه متجرّداً جائلاً بلا ادّعاء، نازعاً قميص مكابرته وهروبه قبل أن يسقط في وحل الندم، يتأمل ماذا حلّ بأحلامه المعلّقة، وأين يقف الآن بعد عواصف الزمن التي لا تتوقف أبداً، يسير بردهاتها كأم تطمئن على أطفالها النائمين، يفكّر وهو يستحضر إجابات مقنعة ليواجه بها ذاته أمام مرآة حقيقته التي لا تخدعه أبداً، ينحني قبل أن يغادر ويلملم قوائم أسماء الأصدقاء المتناثرة مع هزات المواقف، ويعيدها لرفوف الفرص الثانية، ويهبط مجدداً لميدان الحياة ليواجه كل هذه الرحلة من اللاشيء الذي فرض عليه فرضاً!، أعجوبة هي حكاياتنا مع الفراغ ذلك الوهم في حقيقته، لأن الأصل لا فراغات في هذا الوجود. عليك ملء وقتك بشيء ما، فالفراغ وقتٌ مستسلم بين يديك وحدك، تشكّل صيرورته وماهيته، هناك من اغتالوه بالاكتفاء بالنظر للحياة ومشاهدة العابرين نحو مشاريع خلودهم الكبرى. في السياسة أيضاً لا فراغ يترك خالياً. تأملوا الدول وسباق الهيمنة في ماراثون تعبئة الفراغات الخالية والاقتصاد والحب أيضاً لا فراغات تسكنها! حتى وأنت أمام الإشارة الضوئية أحدهم سيستثمر فراغا أمامك تركته لانشغالك بهاتفك! وأسفاً فراغات الراحلين أيضاً يملؤها استحضار ذكرياتنا معهم ليلتهمها النسيان، وحدك أيها الإنسان القادر على سد الخلل لفراغات حياتك بما تريد، أنت ترسم صورتك منذ صرختك الأولى عبر رحلة الزمن، احذر بحرص المخلص ألا تغادر قبل أن تكون رسمت صورتك الحقيقية التي أردت أن تكون، سألقي حجراً من تساؤل بريء هنا مع وقفة مع الحديث النبوي الشريف «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ»، عن أي فراغ تحدث المصطفى صلى الله عليه وسلم؟.