تشهد فرنسا حراكا متزايدا ومتصاعدا تحت ما يسمى باحتجاجات أصحاب السترات الصفراء، التي خرجت لتجتاح الشوارع للمطالبة بتخفيض الضرائب، وتحسين ظروف العيش، والرفع في الأجور، وتسوية وضعية العمال والطبقات الفقيرة. بالتالي هذه الثورة الفرنسية الحقيقية تشير إلى نذير خطر عالمي في الأيام القليلة القادمة إذا تواصلت تلك الموجات الاحتجاجية الصفراء أو إذا انتقلت عدواها إلى الدول الأوروبية الأخرى. إن غياب العدالة الاجتماعية في معظم الدول الأوروبية التي ما زالت تعاني من سياسات الرأسمالية المتوحشة، عبر تلك السياسات الاقتصادية السيئة، من خلال عبء الضرائب المتزايدة على المحروقات والدخل ورواتب التقاعد، وغيرها من الضرائب الجبائية، تعد في مجملها كارثة اجتماعية حقيقية ستؤدي بالنتيجة إلى تمرد شعبي عالمي. إذ على الرغم من خروج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في وسائل الإعلام الفرنسية في عدد من المرات عبر خطاباته للشعب الفرنسي، من أجل احتواء الأزمة وتطويق الاحتجاجات القادمة، وطرحه بعض الحلول لتلبية الحاجيات الأساسية من خلال الرفع في الأجر الأدني ب100 يورو، وإلغاء الضرائب على المحروقات، وتقليص الضرائب على رواتب المتقاعدين، إلا أنه في المقابل لم يفهم المطالب الأساسية للمحتجين، والتي في جوهرها تعني تغيير النظام الرأسمالي الموالي لرجال الأعمال وأسواق المال. فهذه المطالب لأصحاب السترات الصفراء تتمثل في المطالبة بتطبيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة الوطنية على كافة أفراد المجتمع الفرنسي، والخروج من دائرة الدويلة الصغيرة التي يديرها أصحاب المال والمستثمرون، تحت مظلة القطاع الخاص. هذا التمرد الشعبي لن ينتهي وسيبقى كالبركان الثائر المدمر لجميع المكاسب الوطنية الاقتصادية إن لم تتجه السياسة الاقتصادية نحو تعزيز مكانة الدولة في الاقتصاد الوطني الفرنسي، وإعطاء القطاع العام مكانته عبر إدارة اليد الخفية للأسواق المحلية، بقصد تلبية الحاجيات الأساسية ومنها الصحة المجانية والتعليم المجاني، وتسوية الوضعية التشغيلية المؤقتة، والزيادة في الأجور، وتحقيق التوازن بين القدرة الشرائية والأجور. السياسات الاقتصادية للرئيس إيمانويل ماكرون لم تكن ناجحة نظرا لانحيازه دائما للطبقات الغنية وتجاهله مطالب الطبقات الفقيرة. كذلك سياسة دعم القطاع الخاص والتحرر المالي والتجاري الكلي ساهمت أيضا بصفة سلبية في تأزم الأوضاع الاجتماعية. إن هذا الزحف لن يقتصر فقط على فرنسا بل ربما سيشمل في القريب العاجل دولا أوروبية أخرى، مثل بلجيكا وبريطانيا وألمانيا. فهذه البوادر تشير إلى انفجار بركان شعبي أوروبي نتيجة لتدهور الأوضاع الاجتماعية لأغلب الطبقات العمالية والفقيرة.