شهدت كل من فرنسا وهولندا وبلجيكا مظاهرات واسعة من أصحاب (السترات الصفراء) بسبب مشاكل اقتصادية تواجهها شعوب تلك البلدان، لكنها كانت الأوسع والأقوى في فرنسا رغم أن الشرطة البلجيكية تصدت لتلك المظاهرات واعتقلت 450 شخصًا من أنصار السترات الصفراء، ففي فرنسا اتسعت رقعة الاحتجاجات التي شاركت فيها وناصرتها فئات شعبية بلغت حد المواجهات مع الشرطة إضافة إلى التخريب في المنشآت العامة والمتاجر الخاصة، هذه الاحتجاجات ذكرتنا بالإضراب الشامل عام 1968 الذي تمّ في عهد الرئيس الراحل «شارل ديغول» احتجاجًا على الركود الاقتصادي، والذي أرغمه على الاستقالة، رغم أنه كان يشكل رمزًا وطنيًا لفرنسا. وهذا الاحتجاج الأخير الواسع جاء رفضًا لقرار الحكومة الفرنسية بزيادة الضرائب على أسعار الوقود، الذي بررته الحكومة بأنه تشجيع للشعب الفرنسي على استخدام سيارات صديقة للبيئة وخفض مستوى التلوث، ثم تطورت لتثير قضايا أخرى من بينها النظام الضريبي، واتهام حكومة الرئيس «ماكرون» بأنها حكومة الأثرياء، على خلفية إلغاء ضرائب تستهدف شريحة الأثرياء في البلاد، وغياب المساواة الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء، وتدني القوة الشرائية وزيادة الضرائب، وارتفاع تكلفة المعيشة، وحينما لم تستجب الحكومة إلى مطالبهم، ورفض الرئيس ماكرون لقاء قادة المحتجين، صعّدوا من مطالبهم، وطالبوا برحيل الرئيس. عندما تسلم «ماكرون» منصب رئيس فرنسا، وفي خطاب له، تعهد بعدم القيام بما قام به الرؤساء السابقون الذين أجبرتهم الاحتجاجات الحاشدة على التراجع عن مواقفهم، وأكد أنه سيسعى جديًا إلى تغيير الاقتصاد وكذلك الدولة الفرنسية، لكن الأحداث الأخيرة برهنت على أنه لم يستطع المضي في تعهده ويصمد أمام أمواج أصحاب (السترات الصفراء) وتراجع عن بعض قراراته، إذ لا يمكن له أن يحمّل الطبقة الوسطى والطبقات الكادحة فاتورة حماية البيئة والمناخ عن طريق فرض ضرائب أنواع الوقود عليهم، الأمر الذي أدى إلى أن يتضامن أكثر من 70% من الشعب الفرنسي مع حركة أصحاب السترات الصفراء. وسيظل الشعب الفرنسي محافظًا على بقاء شعلة الاحتجاجات مشتعلة حتى ترضخ الحكومة إلى مطالبهم، وهي مطالب ليست بجديدة على الفرنسيين، فالتاريخ الفرنسي مر بكثير من الاحتجاجات في كل العهود السابقة، واليوم بدا بأن المعاناة أصبحت أكثر، الشعب الفرنسي يعاني من الضرائب، والحالة الاقتصادية متردية، ودخل الفرد انخفض إلى أقل مستوى، ولا بد للرئيس ماكرون من أن يحدد الطرق البديلة للحصول على الضرائب في حالة الرجوع عنها، بحيث تكون بعيدة عن المساس بدخل المواطن، والإصغاء لصوت المحتجين الذين ينادون برفع الحد الأدنى للأجور والمعاشات التقاعدية، ولا تكفي هذه التنازلات التي أعلنتها الحكومة، فالمحتجون يقولون (بأن الفرنسيين لا يريدون الفتات، إنهم يريدون الرغيف كاملاً).