هب أنك أتيت نفرا من الملحدين بسيارة من طراز حديث لم يعتادوا رؤيته، وحينما سألوك عن نوعية سيارتك ومواصفاتها قلت لهم: هذه السيارة غريبة عجيبة لقد صنعت نفسها بشكل تلقائي دون تدخل بشري أو آلي، لقد تشكلت أمامي فجأة، بكل ما فيها من تقنيات حديثة متطورة، حينها سيقاطعونك قائلين: أنت إما أنك رجل مجنون لا تعي ما تتفوه به، أو أنك تظن أننا أغبياء سذج سنصدق ما تصف لنا، توقف يا هذا، فالعقل والمنطق لا يقبلان ولا يستوعبان أن سيارة تتشكل من العدم، دون تدخل بشري، فتمر عبر عدة مراحل، قبل أن تصبح جاهزة للاستخدام، فهناك مهندس صمم وفق علم هندسي دقيق، محسوب ومدروس، ويطابق معايير، وقوانين رياضية معقدة، ثم بعد ذلك يأتي دور تصنيع أجزاء السيارة بمقاسات، ومواد، وتراكيب معدنية، محددة، وأخيرا يتم تجميع هذه الأجزاء؛ لتكون لنا وسيلة نقل موثوقة وقابلة للاستخدام. حتما لو حاولت إقناعهم بشتى الوسائل، وأصررت على موقفك، وما شاهدته أمام عينيك، فلن تُقنع تفكيرهم وعقولهم، حينئذٍ وبعد أن فشلت فشلا ذريعا فيما يخص السيارة، نفرض أنك واصلت الحوار معهم محاولا الوصول لبطلان اعتقادهم وظنهم، فقلت: حسنا، أنتم لم تصدقوا بما أتيتكم به، وهذا في نهاية المطاف أمر منطقي، لن ينطلي على أحد منكم، لكن ثمة تناقض غريب حول نهجكم، فأنتم رفضتم فكرة أن سيارتي صنعت نفسها، وهي مجرد آلات صغيرة مترابطة تؤدي مهمة ما، وفي الوقت ذاته تدَعون أن الكون بكل ما فيه من مخلوقات عظيمة، ونظام دقيق، خُلق بلا خالق! ما لكم كيف تحكمون! كيف تنشأ السماوات والأرض من العدم؟! السيارة الصغيرة التي تعتبر لا شيء أمام الكون الهائل، لم تقبل عقولكم وجودها من دون صانع، فكيف تقبل ذات العقول فكرة أن الكون الذي لم يعرف منه العلم إلا القليل، قد نشأ دون تدخل خالق، أغمضوا أعينكم وفكروا بتجرد، بعيدا عن تأثركم بما قرأتم من نظريات خادعة، الأرض تدور وفق مسار وسرعة محددة، والشمس تشرق، وتغرب، بتوقيت معلوم، والقمر يظهر؛ لينير ظلام الليل، والنجوم تتلألأ؛ لتزين سماء الدنيا، وكل ذلك محكوم بحسابات، وقوانين غاية في الدقة، لم يدركها الإنسان ويفك بعض ألغازها إلا في هذا العصر، ثم أعيدوا النظر في كوكب الأرض الصغير جدا، مقارنة بالكون الفسيح، ثمة بحر ويابسة، وكائنات حية تناسب الماء وتعيش داخله، وأخرى على اليابسة مهيأة لها، ومن البحار، والمحيطات، يخرج بخار الماء مكونا سحبا، تمطر على اليابسة، فتصبح جنات خضراء، فيأكل الإنسان والحيوان، من ثمار الأشجار المتنوعة، وأخيرا تأملوا أنفسكم لعلكم تبصرون، فأحدكم لديه عقل يميز، ويفكر، ويحلل، ويخزن معلومات الماضي، وقابل للتعلم، ولديه أجهزة أخرى دقيقة، أبهرت العلماء بعملها، فالعين لها آلية عمل مذهلة، وكذا القلب، والرئة، والكبد...، فهل كل ذلك من العدم، أم صدفة دون صانع؟! وهل كل القوانين والحسابات التي تربط وتحكم الكون وما فيه، نشأت من لا شيء؟! حتما، قد يجد الفرد صعوبة في إزالة قناعات وأفكار انغرست في مخيلته، مهما رأى من أدلة وبراهين، لكن بتحكيم العقل، والتحرر من التبعية، ربما يصل الإنسان لطريق الرشاد، وما يجدر ذكره في عجالة، هو أن هناك منظمات عالمية سعت وما زالت تسعى لنشر فكر الإلحاد، في مختلف أرجاء المعمورة، وذلك يتم وفق دراسات وأساليب مبتكرة لجذب الناس نحو الإلحاد، وإبعادهم عن نهج الأديان، والبشر بطبيعتهم يتأثرون بما يتلقون من معلومات.