عمر العمري إن تراث أي شعب من الشعوب له أهمية خاصة بالنسبة لهم، خلال دوره المهم في ربط ماضيهم بحاضرهم، ورفع مستوى الثقة لديهم، وإرساء قواعد وأسس حضارية متوازنة على استمرار تقدمهم، وتحقيق ما يطمحون إليه في مستقبلهم. فإقامة أي شعب حضارته على أساس من ماضيه، يعطي دليلا على أصالته وعراقة تاريخه الحضاري، ويسهم بما يشمله من مهارات أسلافه، وما يمثله من مكونات فنية في تراثه، منطلقا حضاريا لمهارات الأجيال التالية، وتطوير إمكاناتهم، وتنمية خبراتهم. إن معرفة التراث يعطي دلالات واضحة للمستوى الحضاري لأي شعب من الشعوب، وأنماط المعيشة والمهارات السائدة في مجتمعات هذه الشعوب، وما لها من تقاليد وعادات، كانت سائدة خلال الحقب الزمنية التي يمثلها هذا التراث، هذا إلى جانب معرفة التطورات الحضارية والمستوى الثقافي خلال تطور هذا التراث. إن وضع التراث في متاحف خاصة، والاحتفاظ به وصيانته، فيه إلى جانب الفائدة العلمية متعةٌ نفيسة لمن يقتنيه أو يشاهده، ويتأمل في تطوراته، فهو من هذا الجانب يدخل في صفوف المتع الترفيهية المحببة، لأنه ينقل ذهن المتأمل من واقعه الحضاري إلى واقع أجيال سالفة، امتلكت الفكر والإبداع والكفاح والإصرار، واستطاعت أن تطوّع ما تمتلكه من مكونات بسيطة في بيئتها الصعبة لاستمرار عجلة الحياة. وإبراز التراث يعطي دليلا ملموسا لمدى الاكتفاء الذاتي للشعب، ويبرهن على مدى قدرته على توفير متطلبات حياته توفيرا ذاتيا، وعدم اتكاليته واعتماده على الآخرين، ومن هنا تبرز أهمية الإنتاج المحلي بين المقتنيات المتحفية، وبالمقارنة بين التراث الشعبي وبين ما يستعمله في حاضره من أدوات، تتضح الفوارق، وتبدو ملامح التطور ومعالم النمو في حياة الشعب وأنماط معيشته ومستوى مهارته وخبراته. والاهتمام بالتراث في بلادنا جاء نتيجة وعي القيادة الرشيدة -حفظها الله- لأهميته وإسهاماته الكبيرة في وعي الشعوب، ومن هنا يأتي المهرجان الوطني للتراث والثقافة الذي يفتح كل عام نافذة على تاريخ المملكة وتراثها، ويعمق العلاقة بين حاضرها وماضيها، ويقدم إطلالات مشرقة على مكتسباتها العصرية ومنجزاتها الحديثة، وله الأثر الملحوظ في حاضر التراث وفي مستقبله، وكذلك دوره في تشجيع جمع التراث والاحتفاظ به، واستمراريته، وعلى إظهار تراثنا بالمظهر الحقيقي المشرف، وبالصورة الناصعة الواضحة للإنسان السعودي الأصيل، كما يهدف المهرجان إلى التفاعل مع القضايا المُلحّة التي تهم الأمتين العربية والإسلامية، خلال الندوات والمؤتمرات والفعاليات الثقافية والتراثية المتنوعة. واستطاع المهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية»، خلال سنواته الماضية، أن يقدم لوحات تراثية اختزلت في مضامينها تراث وعراقة هذا الوطن المملكة العربية السعودية، منذ أن توحدت أركانه على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- حتى عصرنا الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- ليتواصل العطاء مكتسبا كل عام حلة جديدة ورؤية مميزة، ونماذج متنوعة من المشاركات والأفكار والرؤى التي عكست حرص الدولة على تطوير فعاليات هذا النشاط الثقافي المهم، والارتقاء بمفهومه الحضاري.