بعد أربع سنوات عاشتها على خط النار، استعادت بلدة عرسال على الحدود اللبنانية – السورية، هدوءها إثر تطهيرها من تنظيم داعش وجبهة النصر، فيما بقيت أزمة اللاجئين السوريين لا تراوح مكانها في هذه البلدة الصغيرة، لا سيما بعد أن أوقفت الأممالمتحدة مساعداتها مع قدوم فصل الشتاء. وتحدث سكان عرسال إلى «الوطن» خلال جولة في هذه البلدة التي جعلها موقعها الجغرافي ممرا للمسلحين من داعش والنصرة اللذين سعيا إلى فرض نفوذهما عليها بهدف التمدد إلى الداخل اللبناني، غير أن معركة فجر الجرود أنهت كل أشكال الوجود المسلح للعناصر الإرهابية، ولم يبق سوى الجيش اللبناني الذي أمسك بزمام الأمن في داخل عرسال وخارجها. الوضع الأمني أضحت عرسال في أفضل حالاتها كما تحدث سكانها اللبنانيون إلى «الوطن» خلال الجولة، وأكد رئيس البلدية باسل الحجيري، ما قاله الأهالي بأن الوضع الأمني في البلدة «جيد جدا»، بعد أن حقق الجيش اللبناني النصر في معركة فجر الجرود، وترحيل المسلحين إلى الداخل السوري. هنا استرجع الحجيري ذكريات السنوات الأربع الماضية بقوله: «شكل المسلحون ضغطا على عرسال، مما فجر مشكلة أمنية كبرى، كما أوجد تدخلهم في الواقع الاجتماعي أزمة اقتصادية عبر منع الأهالي من الوصول إلى معاملهم ومزارعهم، إلا أن زوال الظاهرة المسلحة في جرود عرسال غير وجه الحياة فيها عبر تسيير العجلة الاقتصادية، وتثبيت الأمن الذي يمسكه بشكل نهائي الجيش اللبناني بعد أن ألقى القبض على كل المطلوبين». كما أكد الحجيري على انسحاب حزب الله من جرود عرسال، بعد أن انتشر وتمركز فيها منذ عام 2014 وسلم كل مراكزه إلى الجيش اللبناني، لتصبح عرسال خاضعة بشكل كامل للجيش والسلطات الأمنية. حل أزمة النزوح في محطة تالية زارت «الوطن» مخيمات اللجوء السوري في عرسال، هذه المدينة التي تشهد انتشارا كثيفا للنازحين السوريين الذين تقلص عددهم إلى 60 ألفا، وعلى الرغم من ذلك ما زال تعدادهم يتعدى سكان البلدة من اللبنانيين الذين لا يصل عددهم إلى أكثر من 30 ألفا في عرسال. وشدد الحجيري على ضرورة «تسوية أوضاع النازحين السوريين، مشيرا إلى أن لبنان جعل مسألة عودتهم إلى سورية طواعية، بعد إجراءهم تفاهمات مع الجهات الأمنية في وطنهم. وقال «أهلا وسهلا بهم في عرسال على الرغم من الضغط الذي يشكلونه على البلدة من ناحية استهلاك البنية التحتية، من شوارع ومدارس وكهرباء ومستوصفات طبية». مأساة إنسانية يعيش النازحون السوريون في مأساة إنسانية مستمرة منذ عام 2013 وحتى هذه اللحظة، فالخيم التي يسكنها هؤلاء لا تقيهم حرارة الصيف ولا برودة الشتاء والأمطار والعواصف، وبعد أن بدأ الصقيع في عرسال ومعه تستكمل المعاناة دائرتها، لذا فقد أجمع عدد كبير منهم على أنهم ينتظرون على أحر من الجمر اليوم الذي سيعودون فيه إلى منازلهم في الداخل السوري للتخلص من هذا الواقع المؤلم، مطالب بالعودة أعيدونا إلى عرسال، هذا ما قالته ل«الوطن» امرأة تدعى «أم البنين»، وهي مسنة في الستين من العمر، فقدت اثنين من أبنائها في الحرب السورية، فقتل ابنها الأول بقذيفة استهدفت سيارته إبان ذهابه إلى البئر لإحضار الماء للغنم، وقتل الثاني بصاروخ سقط على منزلهم في بلدة الطفيل، وها هي تعيش اليوم في خيمتهم مع ابنها الوحيد الذي يعاني مرض تآكل العظام وأحفادها الثلاثة. وقالت أم البنين هي «عيشة ضنك»، خصوصا في ظل توقف المساعدات من الأممالمتحدة، على حد تعبيرها، وتستقبل فصل الشتاء خالية اليدين حتى من المازوت للتدفئة، الشيء الذي شجعها على العودة إلى بلدتها الطفيل، لتكون المفاجئة أنها جمعت أحفادها وابنها المريض مطالبة بالبقاء من جديد في عرسال بعد أن عادت إليها سيرا على الأقدام. ضعف المساعدات في هذا السياق ومع استمرار الوضع الإنساني الصعب الذي يعيشه النازح السوري في عرسال تنشط الجمعيات المدنية لتقديم المساعدات لهؤلاء التي لا تكفيهم بطبيعة الحال بسبب الكثافة السكانية التي لا يمكن أن تغطي احتياجاتهم المساعدات الضئيلة أصلا، كما يقول منسق العلاقات العامة في اتحاد الجمعيات الإغاثية التنموية عبدالكريم زعرور: «نحن نشرف على عشرة مخيمات في عرسال التي تضم 1200 عائلة سورية، فنقدم لهم خدمات داخل المخيمات مثل الكهرباء والمازوت والسجاد والحصص الغذائية الشهرية، إلا أننا نواجه في الفترة الأخيرة تراجع التمويل بسبب توقف التحويلات الخارجية إلى لبنان، فبتنا نعتمد على الجمعيات التابعة للأمم المتحدة التي تراجعت تقديماتها في الآونة الأخيرة، حتى إنها لم توزع حتى الآن معونة الشتاء للنازحين السوريين على الرغم من بدء موسم الشتاء!». تهديد حزب الله تروي أم البنين حكاية عودتها إلى الطفيل على الشكل التالي: «أملك منزلا يقع على تلة تشرف على البلدة، وفي يوم عودتنا الأولى زارني عناصر من حزب الله وطلبوا الخروج منه، لرغبتهم في البقاء فيه واتخاذه مركزا لهم بسبب موقعه الإستراتيجي على أن يعطوني بديلا عنه في داخل الطفيل»، مضيفة «رفضت التنازل عن منزلي فهددوني بتفجير المنزل، فما كان إلا أن حملت عائلتي وعدت إلى عرسال». عالقون في الطفيل أما إنعام الأم لسبعة أطفال فأكدت أن حزب الله من يسير شؤون الطفيل التي ذهبت إليها بعد ثلاث سنوات من النزوح في عرسال، لتعود إلى خيمتها في تلك الأخيرة بعد أيام قليلة «صعبة» عاشتها في بيتها في الطفيل، الشيء الذي أرجعته إنعام إلى «انعدام الخدمات في البلدة، فلا يوجد مازوت، ولا تأتي المياه إلا كل أربعة أيام، ويتعين علينا الذهاب إلى القرية المجاورة لشراء مستلزماتنا، بمعنى أصبحنا عالقين في الطفيل، فلا نستطيع العودة إلى سورية لعدم تسوية أوضاعنا مع النظام إلا بعد إجراء مواجهة مع الأمن السياسي والمخابرات، ولا يسمح لنا بالدخول إلى لبنان من جديد، فقررنا العودة إلى عرسال».