ما يحدث، اليوم، في إيران من انتفاضة شعبية ضد النظام الدكتاتوري، المطبق على السلطة، شأن شعب مقهور ضد سلطة فاسدة، فالإيرانيون أدرى بكيفية التخلص من الظلم، خصوصاً أنها ليست المرة الأولى التي ينتفض فيها هذا الشعب على حكومة فاسدة، وقد يعيد التاريخ نفسه بين لحظة وأخرى! من الصعوبة توقع ما سيحدث هناك في طهران، ومن الصعوبة معرفة إن كانت الانتفاضة ستواصل انتشارها لتسقط نظام الملالي، أم ستتمكن السلطة من السيطرة على الأحداث، كما فعلت في أحداث عام 2009، حينما قمعت المتظاهرين بقوة وببطش، وأخمدت آنذاك كل صوت ضد النظام. ورغم صعوبة التحليل، فإن هناك الكثير من الأمور الإيجابية بالنسبة لنا جراء هذه الانتفاضة، خصوصاً أنها تذيق النظام الإيراني المستبد طعم المرارة ذاتها، التي ينشرها في أنحاء الوطن العربي بسياساته التخريبية العدوانية الناشرة للفوضى والدمار، وتضعه اليوم أمام محك شعاراته الجوفاء، المتعلقة بالحرية ورفع الظلم عن الشعوب ودعوته الأنظمة إلى الرحيل، والتي كان يرددها للتدخل في شؤون الآخرين، فهل سيطبقها الآن على نفسه، ويرحل تاركاً ذلك الشعب يتمتع بحريته، بعيداً عن نظام الملالي، الذي أرهق الشعب الإيراني والشعوب المجاورة كافة؟! على النظام الإيراني أن يدرك أنه لا فائدة ترجى من تحميل الخارج مسؤولية ما يقع في الداخل، علماً بأن الرئيس الإيراني قد اعترف بأن الانتفاضة الحالية محقة في «بعض» مطالبها، لكن ما يفيدنا جميعاً أن تتوقف عن إمداد الحوثيين بالعتاد والصواريخ والخبراء، وأن تردع يدها الطويلة «حزب الله» في لبنان، وأن تدرك أنه لا أمل يرجى من محاولة زعزعة دول الجوار، وإن المملكة تحظى بما يكفي من دعم خليجي وعربي ودولي، كفيل بزيادة صلابتها أمام أي تدخل خارجي. فهل من الممكن أن يستوعب النظام ذلك جدياً، أم أن الأمر سينتهي فور انتهاء الانتفاضة؟! لا أعتقد ذلك، ول ابد من القول في الختام إن نجاح إيران في قمع الانتفاضة المتفجرة حالياً، لا يعني أن المسألة قد انتهت، بل يمكن القول إن المشكلة قد بدأت، ما لم تعالج أسباب الحراك الجماهيري الغاضب من جذورها، وأول هذه الأسباب التوقف عن التدخل في الساحات الخارجية، وتأجيج الصراعات، والانكفاء للداخل.