ما إن يُذكر اسم التشكيلي الكويتي محمد الشيخ الفارسي، حتى يُذكر البرنامج التلفزيوني الشهير «الفنان الصغير»، الذي قدمه أكثر من 20 سنة. تجربة قدّمها بكل معانيها الإنسانية والفنية والتربوية، التزم بحمل الفن بتكاملاته بين الفكرة والانتماء في رؤية تحيل إلى حرفية عربية الملامح والخصوصيات والعلامات التي تغوص بنا في عمق البيئة الكويتية. الزخرف والألوان استعرض الفارسي أخيرا في معرضه ال14 بقاعة بوشهري للفنون بالكويت تجربته الحروفية والرمزية، ورؤيته البصرية التي تتسع لمدى الفضاءات بكل تفاصيلها التي تسرد الإنسان وهويته وبيئته المعتقة في المكان. يمنح الفارسي الحرف العربي دوره في خدمة الفكرة في فضاءاتها وتداعياتها الحسية، وتوافقها مع التطوير الذي تشهده الفكرة ليكوّن عناصر قوية الحضور في تعبيراتها الحياتية، فاعتماده الحرف العربي مكّنه من النبش في قيمه الجمالية، وفق توجيه تشكيلي له معانيه المستقلة ومقاييسه التعبيرية في الحجم والهندسة والزخرف والألوان، ومساحاتها الكثيفة والفارغة خدمة للذوق الجمالي، باستخدام خامات وأساليب تخدم اللوحة. تطويع جمالي للحرف رصدت تجربة الفارسي حضور المرأة، العنصر الطاغي في تأثيره التعبيري العميق، ومضامينه الجمالية التي تكثف المشاعر والوجدان في سياقات تصاعدية، تتوافق مع علامات البيئة والطبيعة رمزيا، وهو ما خلق في أعماله التميز والتنوع في لغته البصرية، خاصة تعامله مع ألوانه ليخلق حيوية وحركة تحمل أكثر من رؤية في ابداعاته، فهو يشكل عناصره وأداءها حسب مضمونه وتقنيته وخاماته التي يركبها في الظلال والعتمة والنور في استخدامه الأبعاد الضوئية والأسود والأبيض وفي الألوان، حتى يعالج الحضور المعبر في الخطوط والحروف والشخوص التي تحمل دورها وتتحمل المعنى. فالمرأة هي الوطن، هي الأم، هي العطاء، هي انعكاس الأرض والخصب والطبيعة في تأويلاتها الجمالية، التي يحدثنا خلالها عن الماضي وعن الواقع بكل تفاصيله وعناصره المتكاملة. أما استخدامه الحروف العربية فهو انعكاس خبرة وتطويع جمالي للحرف، ومنحه دورا يتجاوز الشكل في خصوصيته، وكما يعبر هو عن نفسه يستمدها من المفاهيم الحسية ومن المشاعر الإنسانية. لم تختلف أعماله عنه، ولم تنفصل عن ذاتيته، فقد اعتمد الفن للتعبير عن الواقع والحياة والإنسانية بمختلف حالاتها ومواقفها، والأحاسيس التي تتراكم فيها، فتركيزه على الألوان وتحريكها حسب المساحة والهندسة والأشكال، وفق درجات تخلق التوازن المتكامل بين الضوء والظل والحركة التي تتطلب الدقة في تجسيد الفكرة التي ترتقي بمحتوى اللوحة.