أصوات الطرقات تزداد يوما بعد يوم، طرقات معدتي المنتفخة، كان الأمر بمثابة الحلم الذي يراودني كلما استسلمت للنوم، فلا ألبث أن أنهض مستجيبا لهذا الطرق المتواصل ظانا أن هناك من يقف بالباب. بدأ هذا منذ فترة طويلة عندما ابتعت رغيف خبز من إحدى البائعات بالشارع المجاور وفاصلتها في السعر كثيرا، فلوحت لي بيدها، ومضيت وأنا ألتهم الرغيف من شدة الجوع، يبدو أنها ساحرة أو شيئا كهذا، فمنذ ذلك الوقت ومعدتي لم تتوقف عن الطرق وكأن هناك كائنا بالداخل يريد الخروج، بدأت بتجنب المرور من ذلك الشارع في محاولة يائسة لجعل معدتي تنسى ما حدث في ذلك اليوم. قبل شهر تقريبا وأنا في عربة النقل شاهدت امرأة عجوزا تعبر الشارع تحمل الخبز المحشو بالعجوة، فتذكرت ما حدث وبدأت معدتي بالطرق هذه المرة بشكل متواصل وبإلحاح، حتى خيل إليّ أن كل من كان بالعربة يلتفت بحثا عن مصدر ذلك الطرق، أهو الجوع أم لعنة تلك السيدة تلاحقني؟ هناك حفلة تقام بمعدتي وكلما ازداد صوت الطرق يزيد حجم بطني كثيرا كثيرا، وتطور الأمر إلى أن بدأت أتقيأ أرغفة مستديرة كل يوم رغم أني لم أتناول شيئا منذ فترة طويلة، لم تفدني زيارة الطبيب الذي يقطن في العلية المجاورة، بل إنه ظن بأنني مجنون وضحك مني كثيرا، وبات يصف ما يحدث لي بالهلوسات، قائلا في سخرية (ومن يجد الخبز في أيامنا هذه فليتقيأ كل هذا الكم من الأرغفة). استيقظت صباح اليوم وأنا أشعر بأن هناك شيئا ضخما يحاول عبور فمي ليس رغيف خبز هذه المرة، بل شيء أكبر، شيء حيّ، ربما يتحرك ويملك أصابعا خمسة، شيء يشبه يدي تلك التي حملت بها ذلك الرغيف قبل عام ونصف العام. بدأت تتدلى من فمي، عبثا حاولت ابتلاعها، فهي تمتد وتمتد وتعبر حلقي وكأنها جذع شجرة يخرج من جوف الأرض. بدأت تلك الأصابع تلوح لي وتعيد أحداث ذلك اليوم المشؤوم، ونظرات تلك المرأة تلاحقني وأنا أختبئ بين جمع من المارة بعد أن سرقت رغيف الخبز ولذت بالفرار. حليم الفرجي