صديقي.. هل فكرت مرة بمصطلح «الجوع» بعيدا عن المعدة، التي تحصرك بالأكل؟ أحيانا يمنعنا جوعنا من التفكير بعمق، فننشغل بإسكات المعدة، أحيانا خوفنا من يمنعنا، لأننا نراه مرعبا كلما تذكرنا صراخ المعدة، ومع هذا اليوم سأحدثك عن مصطلح الجوع، فهو يحمل في طياته كل إبداعاتنا البشرية وجرائمنا الفظيعة والمدمرة. كان سقراط جائعا للمعرفة، ولفهم كيف يمكن للدولة ألا تموت، الجوع المعرفي هو من ساعده في البحث عن إجابة مقنعة وصحيحة إلى الآن. الجوع للحياة للصحة وللكسل هو من دفع البشرية لاكتشاف كل المسكنات والمضادات واللقاحات والهواتف والسيارات والطائرات، هو أيضا ما زال يدفعنا لمزيد من الاكتشافات؛ لمزيد من الكسل. هو كذلك من دفع مخترع الانترنت، لهذا الاختراع العظيم، يخيل لي أنه كان جائعا لحياة أخرى، فصنع حياة افتراضية، وأدخلنا معه لهذه الحياة الافتراضية، ولكن هل نحن هناك مزيفون، أم نحن في الواقع أكثر زيفا؟ كان هتلر جائعا للسلطة، فدفع العالم 50 مليون قتيل، فكتب الفيلسوف الإنجليزي راسل: «لقد تحققت من أن الجنس الأبيض ليس مهما تلك الأهمية التي كنت اعتقدها به، فإذا أفنى سكان أوروبا وأمريكا بعضهم بعضا، وبادروا جميعا في الحرب، فهذا الأمر لن يعني بالضرورة دمار النوع البشري، ولن يعني هذا نهاية الحضارة». مثل هذا النقد القاسي هو من أوقف الحروب في أوروبا، وجعل نسبة أن تشتعل حرب جديدة بين إنجلترا وألمانيا صفر، لو أن الحكومات الأوروبية أنزلت المفكرين من المنابر، وسمحت للشعراء بالصعود، لكانت أوروبا إلى الآن جائعة للحروب. ذات مساء قلت لأبي: أنا جائع، فكتب في وصيته: الخبز وطن آخر. كنت صغيرا، لم أفهم ما الذي عناه أبي في وصيته، اليوم يمكن لي فهم ما الذي عناه أبي، فهو كان يتحدث عن الأسباب التي أوجدت «الطابور الخامس» في كل الأوطان، فهؤلاء الأشخاص «الطابور الخامس» جائعون لهذا أصبح وطنهم رغيفا. هل العيب فيهم أم في أوطانهم، أم في الجوع الذي جعل الأوطان بحجم الرغيف؟ لا عليك من تهويماتي اليوم يا صديقي، فأنا لا أعرف ما الذي أريد أن أكتبه، في نفس الوقت لدي جوع للكتابة. هو نفس الجوع الذي استغل في رحلات التنصير بأفريقيا، حين ذهب القساوسة لنشر الدين برغيف، وكان الإنسان الأفريقي جائعا، فتخلى عن صنمه/ إلهه المزيف، الذي لم يمده برغيف كما فعل القساوسة. ترى لو أن الكاهن الإفريقي يملك أرغفة، أو توصل للفكرة الاقتصادية العظيمة القائمة على بيع أرض بالجنة كما فعل الفتيكان فأصبح لديه ما يكفي من أرغفة، هل كان الإنسان الإفريقي سيتخلى عن عقيدته بنفس السهولة التي أوجدها الجوع؟ أرأيت كيف هو الجوع وإن سهل للإنسان أن ينتقل من عقيدة لأخرى، إلا أنه معقد وعسير على أن يهضمه العقل بسهولة، ومع هذا ما زال الكهنة والعرافون والدجالون يؤكدون للبشرية أنهم يملكون كل الإجابات النهائية. التوقيع: صديقك S_ [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 127 مسافة ثم الرسالة