ورد في رؤية المملكة 2030 أن الدولة تلتزم بتنمية البنية التحتية الرقمية، وذلك باعتبارها «مُمكّناً أساسياً لبناء أنشطة صناعية متطورة، ولجذب المستثمرين، ولتحسين تنافسية الاقتصاد الوطني». ومن هنا، فإن صدور الأمر الملكي بإنشاء الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، قد أضاف ركنا أصيلا إلى المنظومة الوطنية لأمن الدولة، وهو الركن المنوط به حماية تلك البنية التحتية الرقمية بكل ما تحويه من بيانات ومعلومات، لكي تكون آمنة من الاختراق أو سوء الاستغلال أو الاستخدام غير المصرح به من قبل أي جهة، وذلك من خلال مواجهة ما قد تتعرض له من مخاطر، بما يضمن استدامة عمل كل البنى التحتية الحساسة في الدولة، والتي تمتد من الحكومة والدفاع، مرورا بقطاعات الزراعة والغذاء والمياه والصحة العامة وخدمات الطوارئ والاتصالات والمعلومات والطاقة والنقل والخدمات المصرفية والتمويل، وانتهاء بالمؤسسات الخاصة ذات البنية التحتية الرقمية. إن إنشاء الهيئة بهذا التشكيل المتميز، يمكِّن من التنفيذ الحاسم للاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني، والتي يتم من خلالها وضع الخطوط العريضة لتنظيم الجهود وتحديد الأولويات، وتفعيل أفضل الممارسات بين كل قطاعات المجتمع في سبيل بناء وإدارة نظم معلوماتية آمنة تحظى بالثقة، وتقليل الاحتمالات التي تشكل تهديدا للموارد المعلوماتية، والحد من الأضرار الناجمة عن سوء الأداء، وضمان التعافي في أعقاب وقوع أي هجمات أو حوادث سيبرانية - سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة، بما يهيئ تداولا آمنا للمعلومات، ويحقق هدف الدولة – الذي أبرزته رؤية 2030- والمتمثّل في إيجاد بيئة جاذبة للمستثمرين المحليين والدوليين على حد سواء، وتعزيز ثقتهم باقتصادنا. وفي نفس الوقت فإن وجود الهيئة كجهة مركزية عليا تختص بالأمن السيبراني، يؤدي إلى التخلص من الاختناقات التي تواجه تحديد الأدوار والمسؤوليات التي ينبغي أن تضطلع بها الإدارات الحكومية والمؤسسات التي لها دور في المحافظة على الأمن السيبراني، كما يساعد على تنسيق الجهود بين وحدات الدولة المسؤولة عن تأمين نظم الاتصالات والمعلومات الحساسة وبين الخدمات الأمنية الأخرى، وتوفير المعلومات التحذيرية والمشورة، سواء لأجهزة الدولة أو للمنظمات غير الحكومية والجامعات والقطاع الخاص، حول التدابير الوقائية من الهجمات السيبرانية، فضلا عن التدابير المضادة لها. ونظرا لأنه لا يمكن المنع التام للهجمات السيبرانية ذات الاحترافية العالية، حسب ما نسمع عنه من هجمات فيروسية واختراقات معلوماتية من وقت لآخر في كل دول العالم، فإن الفضاء السيبراني للدولة ينبغي أن يكون قادرا على العمل تحت وطأة الهجمات السيبرانية، وعلى استعادة قدراته الكاملة بسرعة، لذا فإن وجود الهيئة يمكِّن من الإدارة الحاسمة للأزمات التي تنشأ عن تلك الهجمات حال وقوعها على نظم المعلومات الحساسة، ويفعل خطط الطوارئ لاستعادة عمل تلك النظم عند تعطلها من جراء ذلك، كما يعزز من القدرة على تطبيق القانون لملاحقة مرتكبيها. بالإضافة إلى ذلك فإن الفضاء السيبراني يربط المملكة ببقية العالم، بما يتيح لذوي النوايا الخبيثة في أي دولة شن هجمات سيبرانية على أنظمة معلوماتية في دولة أخرى تبعد آلاف الأميال، الأمر الذي يجعل وجود الهيئة لكي تكون الجهة المختصة بالأمن السيبراني في المملكة، والمرجع الوطني في شؤونه، أمرا محوريا، يمكِّن من التصدي لهذا النوع من التهديدات السيبرانية العابرة للحدود السياسية، والتي تحتاج إلى التعاون على مستوى الدول من أجل تيسير تبادل المعلومات، والحد من الثغرات الأمنية، وردع القائمين بالهجمات السيبرانية. إن إنشاء الهيئة الوطنية للأمن السيبراني يعد قرارا استراتيجيا يضع المعلومات في بؤرة الاهتمام الوطني باعتبارها أحد الموارد الرئيسية التي لا تستقيم أعمال الدولة وخططها إلا مع الحفاظ عليها وضمان انسيابها في بيئة آمنة.