الحديث عن العراق الآن حديث صعب في ظل ما يلاقونه من ظلم القريب والبعيد وطغيان المحتل والعميل، وهو حديث تعرف أوله ولا تعرف منتهاه، والله المستعان. مأساة العراق بشكل عام والعرب السنة بشكل خاص في العراق كما يصفها البعض بدأت بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، سقطت بغداد عام 2003 بسبب الغزو الأميركي ليعلن في هذا العام نهاية حضارة بلد صنع أول حضارة في تاريخ البشرية، ويمثل هذا السقوط نهاية حكم العرب السنة لهذا البلد ودخولهم مرحلة الضياع والانهيار بعد أن كانوا هم السادة والقادة وبناة العراق وركنه الركين وعصبه المتين. انتهت مع هذا الغزو مرحلة عروبة العراق، فقد تغير جنسه وأصله ونسبه بعد أن كان يمثل عروبة الأمة وحامي حماها إلى حديقة خلفية للإمبراطورية الفارسية، فالاحتلال مثل صدمة لكل العراقيين خصوصا بعد حل الجيش وكل مؤسسات الدولة بهدف إعادة بناء الدولة العراقية بمفهوم الحاكم العسكري الأميركي الذي جاء بالديمقراطية نموذجا لحكم العراق. جاء مع الحاكم العسكري الأميركي مجموعة من سياسيي المعارضة العراقية في الخارج تحمل أجندات داخلية وخارجية مختلفة، وانقسم الشعب العراقي بعد الاحتلال إلى معسكرين: معسكر اتخذ المقاومة حقا مشروعا لطرد المحتل، ومعسكر آخر تعاون مع القوات الأميركية، ويرى أنها قوات محررة خلصت العراق من الدكتاتورية البعثية، والسجال بين المعسكرين يبقى مستمرا لأجيال قادمة تتقاذف الاتهامات بينها. بما أن موضوع هذا المقال هم العرب السنة في العراق، فلن أتطرق للمكون الكردي في العراق، وأكتفي بعرض مقارنة مختصرة مع المكون العربي الشيعي، فأغلب الأحزاب الشيعية التي شاركت في مجلس الحكم الذي أسسه الحاكم العسكري للعراق بعد الاحتلال كانت مرتبطة أو مدعومة بشكل مباشر من إيران، هذا الدعم أخذ أشكالا مختلفة أهمها وأكثرها فعالية هو سيطرة إيران على إيقاع تحركات هذه الأحزاب والحركات والشخصيات بحيث لا تتصادم فيما بينها، هذا الدور الإيراني أثبت فاعلية في فرض سيطرة هذه الأحزاب الشيعية على المشهد السياسي العراقي. في المقابل، العرب السنة في العراق انقسموا بين مشارك في العملية السياسية التي أسسها الاحتلال وبين مقاطع لها، فالمشاركون في العملية السياسية اعتبروا المشاركة في حكومة شكلها الاحتلال نوعا من أنواع دفع الضرر، بينما اعتبر المقاطعون المشاركة في حكومة الاحتلال خيانة للمقاومة الوطنية. هذا الانقسام له أسباب كثيرة، منها فكرية ومنها سياسية وأخرى شخصية. بعد 13 عاما من احتلال العراق اللافت للنظر أن العرب السنة المقاطعين والمشاركين في العملية السياسية فشلوا في تحقيق أهدافهم المعلنة. المقاومة العراقية ذات الأغلبية السنية لم تنجح في إبعاد الجماعات المتطرفة عن عملها، حيث اختطفت جماعات تنظيم القاعدة والتوحيد والجهاد والدولة الإسلامية في العراق آنذاك عنوان المقاومة ضد الاحتلال الأميركي، من جهة أخرى، القوى السنية التي شاركت في العملية السياسية التي أسسها الاحتلال فشلت في تقديم نموذج سياسي يخدم جمهورها السني الذي شارك في الانتخابات. تفاقمت المعضلة السنية في العراق حتى وصلت إلى مراحل الانفجار في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وخرج مئات الآلاف من العرب السنة في مظاهرات تندد بالتفرقة الطائفية لحكومة المنطقة الخضراء بقيادة المالكي. استمرت المظاهرات شهورا بمساندة من الجهات المقاطعة للعملية السياسية، وهاجمت حكومة المالكي هذه المظاهرات لتفريقها بالقوة، وقتلت المئات من المتظاهرين المدنيين في محافظات سنية مختلفة. مرة أخرى اختطفت المجاميع المتطرفة المقاومة السنية، واحتلت داعش مدينة الفلوجة ومدنا كبرى مثل الموصل والرمادي وتكريت، وفشلت القوى المشاركة في العملية السياسية في حماية جمهورها السني من بطش قوات نوري المالكي، وفشلت أيضا في تحصين المحافظات ضد الجماعات المتطرفة. لا يختلف الحال اليوم في العراق فالعرب السنة منقسمون بين مقاطعين ومشاركين في العملية السياسية التي أسسها الاحتلال، واللافت للانتباه أن القوى السياسية المقاطعة للعملية السياسية ترفض العمل السياسي بشكل مباشر أو غير مباشر. بعد 13 عاما على احتلال العراق وبعد 6 سنوات على خروج القوات الأميركية لم يظهر أي حزب معارض سني من بين القوى المقاطعة للعملية السياسية في العراق. القوى المقاطعة للعملية السياسية في العراق تطالب بإلغاء العملية السياسية، لكنها لا تقدم بديلا عمليا أو بديلا بمرحلة انتقالية تأخذ بالاعتبار ميزان القوى داخل العراق والمنطقة، فالقوى السنية المشاركة في العملية السياسية فقدت شعبيتها بعد أن تركت جمهورها ضحية الانتقام الطائفي وبطش الجماعات المتطرفة. من يقرأ خارطة العرب السنة في العراق اليوم يجد هذين المعسكرين يتصارعان في معركة «شرعية» ضحيتها العرب السنة، معسكر يرفض العمل السياسي والعملية السياسية، ومعسكر مشارك في العملية السياسية فقد شعبيته لأسباب كثيرة داخلية وخارجية. وينتظر أهل السنة في العراق مهديا منقذا مشابها للمهدي الإيراني الذي ضبط إيقاع الأحزاب السياسية الشيعية في العراق ووحد كلمتها السياسية لخدمة مشروع هذه الأحزاب ومصالح إيران في العراق.