مع أن عملية فرز الأصوات لم تنته بعد، إلا أن الانتخابات اتضحت نتائجها. أكبر الرابحين في هذه الانتخابات هي الأحزاب الدينية الشيعية، التي كان زعماؤها السياسيون يسيطرون على الوزارات ومليشياتها المسلحة تسيطر على الشارع في المناطق الجنوبية الشرقية من البلاد. أما الأحزاب الكردية الانفصالية التي دعمت هذا الترتيب مقابل السيطرة المطلقة على المناطق الكردية في شمال شرق العراق فيبدو أن حصتها كانت جيدة أيضاً. وكان أداء السنّة العرب أفضل بكثير من أدائهم في انتخابات يناير الماضي، التي قاطعها معظمهم، ولكن انقساماتهم السياسية جعلت حصيلتهم من المقاعد أقل مما كان متوقعاً. بالإضافة إلى أنهم تلقوا ضربة أخرى عندما صدر حكم في الأسبوع الماضي يقضي بعدم قبول 90 مرشحاً على الأقل، غالبيتهم من السنة، في البرلمان في حالة فوزهم في الانتخابات بسبب علاقاتهم السابقة بحزب البعث. وتظل الأحزاب العلمانية، التي حاولت استقطاب كل طوائف المجتمع العراقي، ليس على قاعدة انتماءاتهم الدينية أو العرقية، أكبر الخاسرين. وسيصاب بخيبة أمل كل من بنى آمالاً في أن تسهم الانتخابات العراقية في تعزيز حقوق المرأة أو حماية الوحدة الوطنية على قاعدة علمانية. ولكن كل من توقع مثل هذه المكاسب لم يكن قادراً على الانتباه للتطورات الأخيرة في العراق. فالساسة العراقيون يعتمدون على قوالب غير مستقرة. وقليل من الناخبين صوت على أساس أنه مواطن عراقي، وأدلى غالبية الناخبين بصفتهم شيعة أو سنة عرب أو أكراد. وكانت مشاركة السنّة بأعداد كبيرة في هذه الانتخابات تقدماً، ولكن قد لا يكون ذلك كافياً لحصولهم على دور فعال في إعادة صياغة الدستور المعيب الذي يتضمن اتجاهات انفصالية خطيرة وتشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة. وإذا تمكنت الأحزاب الشيعية من الاحتفاظ بدعم حلفائها الأكراد واستقطاب القليل من النواب المستقلين، فقد يهيأ لها ذلك تأمين غالبية الثلثين دون الحاجة إلى إشراك السنّة ومقاومة حدوث التغييرات التي يحتاج إليها العراق حاجة ماسة. وسيكون ذلك خياراً مدمراً، يعوق إمكانية احتواء المقاومة باستخدام الوسائل السياسية، ويقلل من فرص استمرار العراق كدولة مستقرة وموحدة. إلا أن من الممكن تفادي هذه الكارثة إذا أدركت الأحزاب الفائزة فائدة مد يدها للسنة العرب الذين يترددون في الوقت الراهن بين المشاركة في العملية السياسية والاستمرار في المقاومة. ولا تعني كثرة الأصوات التي حصلت عليها الأحزاب الدينية الشيعية بالضرورة أن العراقيين تحولوا فجأة إلى أصوليين. إن ذلك يثبت تفوق المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وحزب الدعوة الإسلامي على الأحزاب المنافسة لهم في المحافظات التي يشكل الشيعة غالبية سكانها من ناحية التنظيم والمنافسة والمناورة. واستفاد هذان الحزبان من عدة امتيازات، من بينها عشرات السنين من الدعم الإيراني، وإشراكهم من قبل سلطات الاحتلال الأمريكي في مجلس الحكم الذي قامت باختيار أعضائه، والمساندة القوية التي وجدتها من آية الله على السيستاني، ودعم المليشيات الحزبية المسلحة. وأظهر أياد علاوي وأحمد الجلبي، المنافسان الرئيسان للأحزاب الدينية الشيعية، القليل من المهارات السياسية. وما كسب علاوي، الحليف المفضل لأمريكا في الوقت الراهن، من الأعداء أكثر من الأصدقاء، عندما شغل في العام الماضي منصب رئيس الوزراء في الحكومة المؤقتة. ولا يثق الشيعة في الجلبي، الذي تمتع في الماضي بالرعاية الأمريكية، بسبب مكره الدائم. أما السنّة فينفرون منه بسبب حملته الشعواء على أي شخص تربطه صلة، حتى ولو كانت ضعيفة، بحزب البعث. ويتوقف المستقبل بصورة كبيرة على زعماء حزب المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وحزب الدعوة. ويعتبر أكبر تحد يقف في طريقهم الوفاء بالعهد الذي قطعوه لزعماء السنّة بأن الدستور الحالي سيخضع لتعديلات أساسية. ويجب أن يضمن الدستور الجديد ورود كل عائدات النفط للحكومة المركزية لتوزيعها بصورة عادلة، وإزالة كل القوانين والسياسات التمييزية ضد السنة، بما فيها الحظر المفروض على البعثيين السابقين، ونزع أسلحة المليشيات، التي تم استيعاب بعضها في الجيش العراقي، وتسريحها. إلى ذلك ينبغي تعزيز حقوق المرأة الأسيرة في الوقت الحالي بين القانون المدني والقوانين الشرعية. وتحتاج الأحزاب الكردية الفائزة إلى مواجهة مسؤولياتها الواسعة. وإذا استمرت هذه الأحزاب في قفل الباب أما تمثيل السنّة العرب في السلطة، فقد ينتج عن ذلك حرمانها من الدعم الأمريكي الذي يعتمد عليه أمن دويلتهم في شمال شرق العراق. أما أحزاب السنّة فعليها مواجهة الحقائق السياسية العملية، بدءاً بالإحصاءات الديموغرافية. وعلى السنّة العرب الاقتناع بالتخلي عن الاعتقاد بأنهم يشكلون أكثر من 20 في المائة من الشعب العراقي، وهي النسبة التي تحددها كل الإحصاءات. ومن حقهم المطالبة بمعاملة عادلة ونصيب عادل في السلطة، ولكن ليس من حقهم الإصرار على أن التزوير هو التفسير المحتمل الوحيد لفشلهم في الحصول على مزيد من المقاعد في البرلمان. وينبغي أن تكون استراتيجية العودة إلى مقاطعة الانتخابات آخر ما يتحدثون عنه، فهذه المقاطعة كلفتهم الكثير في بداية هذا العام. ومن مصلحة الجميع دفع السنّة إلى المزيد من المشاركة في الحياة السياسية، ولن تستفيد أي جهة من إغلاق باب المشاركة في وجوههم. وبدون مشاركة السنّة ستكون الحرب الأهلية المصير الذي ينتظر العراق في المستقبل. (نيويورك تايمز)