يعد الفراغ أحد الأمرين اللذين قال عنهما رسول الله، صلى الله عليه وسلم، «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ». وتعد قضية الفراغ من أهم القضايا الاجتماعية والتربوية التي يكثر حولها التنظير ويقل حولها التطبيق، ويكثر حولها السرد، ويقل وضع الإجراءات المناسبة لاستغلال أوقات الفراغ، وتوظيفها لخدمة الوطن والمجتمع والأفراد. ولأن قضية الفراغ مرتبطة ارتباطا مباشرا بمدى قدرة الفرد على استغلاله والخروج بأقل الأضرار النفسية والاجتماعية والفكرية، ولأن الوقت المهدر من عمر الأفراد يرتبط أيضا بتقدم الدولة ومنافستها كثيرا من الدول الأخرى، بدأت المؤسسات الحكومية والأهلية بمحاولات تهدف إلى الحد من هذه الظاهرة، وتقلص خلالها الفجوة الكبيرة بين أفراد المجتمع ومؤسساته في الإجازات الصيفية بالذات. وبما أننا نعيش هذه الأيام في أطول إجازة صيفية تشهدها مدارس التعليم العام في وطننا الغالي، وربما تكون الأطول على مستوى العالم، نلمس من أوقات الفراغ كثيرا وكثيرا، والتي ربما تصل في بعض الأوقات إلى حالات من الملل والسلوكيات غير التربوية. وفي ظل حالة التذمر المستمر التي تشهده كثير من الأسر السعودية في الوقت الحاضر، بسبب صعوبة ضبط ومراقبة الأبناء، وعدم توافر البرامج المفيدة لهم. وفي ظل الجهود المتواضعة من الجهات الرسمية وغير الرسمية المسؤولة عن رعاية الشباب واستغلال مواهبهم وتنميتها، تتطرق إلى الخاطر عدة تساؤلات لعلها تكون بمثابة التذكير والنقد البنّاء: أولها: أين دور مؤسسات المجتمع الحكومية والأهلية مع هؤلاء الطلاب والطالبات باختلاف مراحلهم الدراسية؟ ولماذا لا يكون لهم كثير من البرامج الترفيهية وفق احتياجاتهم العمرية؟. ثانيها: أين دور وزارة التعليم باعتبارها الجهة المشرفة على النوادي الصيفية، وباعتبارها الحاضنة لهم في معظم أوقات العام؟. لماذا لا تعقد الدورات المتخصصة لرفع مستوى الطلاب والطالبات في الاختبارات التي تحدد درجة الإحباط لديهم كاختبارات القياس والاختبار التحصيلي؟. ولماذا لا نلمس من وزارة التعليم استغلالا لمرافقها الحكومية المقفلة خلال الإجازة، وتوظيفها لاكتشاف مواهب الطلاب في الإلقاء والتمثيل والحفظ والتفكير والابتكار، أم أن دور الوزارة ينتهي بانتهاء تمزيق الكتب الدراسية بانتهاء العام الدراسي؟. وثالثها: أين وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عن المسارح والمهرجانات التي تنمي الثقافة والفكر أكثر من جبايتها المال؟، وأين هي عن تبصير الشباب بواجباتهم الوطنية والمجتمعية باعتبارهم اللبنة المهمة في تشكيل كثير من القضايا المؤثرة اجتماعيا؟. وآخرها: أين هيئة الترفيه عن هذه الفئة العمرية، أم أنها لا ترى فيهم الأهمية الاستثمارية الحقيقية؟، وأين هي عن المدن الصغيرة والناشئة أم أن رأس المال المتوقع لا يمكن استخلاصه إلا من المدن ذات الرخاء الاجتماعي؟. وهل من سياساتها الوجود في ساعات معدودة وبتذاكر باهظة الثمن؟. أكاد أجزم بأن كل أب وأم تتساوى لديهما مشاعر الفرح بحلول هذه الإجازة الطويلة، لكونهما تعبا وبذلا كثيرا من الجهد مع أولادهم خلال العام الدراسي وحان الوقت لراحتهما، وشعور الحزن لخوفهما من النتائج السلبية المترتبة على هذه الإجازة، كتضييع الوقت والسهر والخروج المتكرر من البيت ومصاحبة رفقاء السوء. وأكاد أجزم بأنهم يتساءلون: لماذا لا يكون لأبنائنا وبناتنا برنامج أو كثير من البرامج الإجرائية المرتبطة بكثير من النواحي المعرفية والاجتماعية والجسمية؟. وفي نهاية المطاف، أوجّه دعوة إلى كل مسؤول له يد في هذه القضية، أن يضع نصب عينيه تلك الفئة الغالية من مجتمعنا، وأن يبادر بالحلول والخطط الإجرائية التي خلالها يتم استثمار تلك الطاقات المنتجة في الإجازات الصيفية، والعمل بشكل جدي للوصول إلى مقترحات لحل هذه المعضلة، وإلا سيدفع ثمنها المجتمع أسرا وأفرادا.