بعضهم يرى بأن الاهتمام بالموهوبين يمثل حجر أساس للتطور المستقبلي، حيث إن فئة قليلة من الموهوبين قد تقود المجتمع بأكمله نحو الأفضل. بل إن بعضهم يمثل بالمجتمعات المتقدمة بأنه يقود التطور فيها هم فئة قليلة من الناس. ليس هناك اعتراض على ذلك، لكن هناك في الجانب الآخر من المعادلة فئة المتأخرين دراسياً والمتسربين من مقاعد الدراسة. هؤلاء يشكلون قلقا اجتماعيا سواء بتكوينهم مستقبلاً أسراً ومجتمعاً محبطاً أو بتدني مساهمتهم الاقتصادية والتنموية أو حتى في تحولهم إلى وسائل تشبع رغباتهم وتحقق احتياجاتهم الذاتية والاقتصادية والاجتماعية مثل اللجوء للمخدرات والإرهاب والسرقة وغيرها من الظواهر المقلقة. التعليم العام؛ هل مهمته الاهتمام بالفئة القليلة المصنفة كموهوبين أم بالفئة الأكبر اجتماعياً؟ أعتقد بأننا نهمل كثيراً الفئات المتعثرة والمتأخرة وليس لدينا برامج واضحة لهم تساعدهم على تخطي صعوباتهم وفشلهم النفسي والاجتماعي والمعرفي والسلوكي. وكم أتمنى أن ترصد مبالغ وأن تؤسس برامج موازية لتلك التي نقدمها للموهوب تعنى بالمتأخر دراسياً. لدينا نسب مخيفة في التسرب من على مقاعد الدراسة في كافة مراحل التعليم العام والعالي، وهي التي تشكل ضغطاً كبيراً على قاعدتنا الاجتماعية في الحاضر والمستقبل، سواء في نسب البطالة او في نسب ارتكاب المخالفات الاجتماعية والإدارية. نحن لا نريد مجرد تقليص الأعداد بإلغاء الاختبارات ومنح الشهادات الدراسية دون جدارة، بل نريد برامج حقيقية توجه لهذه الفئات. على سبيل المثال فصل الصيف قادم، فكيف سيستغله أبناؤنا وبناتنا؟ مجرد فضاء وفراغ فترة تتجاوز الشهرين. ما حجم البرامج الصيفية التي ستطرحها وزارة التربية والتعليم وستطرحها الجامعات وكافة المؤسسات الثقافية والاجتماعية لهؤلاء الشباب والشابات؟ لماذا تقفل أبواب المدارس والجامعات ولا تتحول إلى مقرات أنشطة صيفية متنوعة ميسرحضورها من قبل الجميع؟ لماذا لا يكون هناك إرشاد أكاديمي وتعليمي يساعد الطالب وولي الأمر في معرفة الاحتياج الذي يتطلب توجيه الشاب والشابة إليه في فصل الصيف؟ لماذا لا نخصص من الموارد للفئات المتأخرة دراسياً مثل ما نخصصه للفئات الموهوبة؟ أعلم أن بعضهم أصبح يتوجس من فكرة المعسكرات الصيفية ويخشى توجيهها وجهة لا يراها، لكن ذلك لا يعني التقاعس عن تقديم ما هو مفيد من برامج ترويحية وتثقيفية وتعليمية يستفيد منه الطلاب في فترات الصيف والإجازات. إلا إذا سلمنا بأننا لا نملك الإبداع والتطوير للبرامج الصيفية وكل ما لدينا هو إما عسكرة إرهابية أو المنع. وفي جانب متصل تشعر أحياناً بأن مدارسنا تنتظر بفارغ الصبر موسم الإجازة لتصرف الطلاب حتى قبل انتهاء الفصل الدراسي، بدليل هذه الفلسفة المتعبة في منح طلاب الصفوف الأولية إجازات مبكرة تمتد لأسبوعين وثلاثة قبل وقت الإجازة الرسمية، بحجة أنها فترة امتحانات. هل سيتحول مدرسو المراحل الأولية إلى مدرسين ومراقبين في الصفوف العليا؟ لماذا نحتاج أعدادا أكبر من المدرسين للمراقبة في الاختبارات؟ أم هي مجرد حجة للهروب من بقاء طلاب المراحل الأولية في صفوفهم حتى انتهاء العام؟ يبدو أن ثقافة الخمول مشتركة بين المعلم والمدرسة والوزارة وتورث للأجيال القادمة الصغيرة عبر هذه الممارسات، وإلا فلن يعجز مدرس نبيه أن يضع أنشطة إضافية لطلابه الصغار ولن يعجزه التأني في المنهج وجعله ممتداً طيلة فترة العام الدراسي وليس فقط حتى ما قبل الاختبارات النهائية للمراحل العليا. الخلاصة هي أننا بحاجة إلى الاهتمام بالفئات الأقل حظاً في مستوياتها الدراسية كما نحن نهتم بالفئات الموهوبة ونحتاج الموازنة بكافة الفئات. خير لنا توسيع قاعدة الطلاب العاديين الواقعين في المعدل الطبيعي بدلاً من توسيع قاعدة الأطراف المتأخرة والمبدعة على حد سواء.