التاريخ ساخر كبير، والتاريخ يحدثنا أن الآلة الإعلامية الدعائية الضخمة التي استخدمها الألمان لم تكن لتغير الحقائق على الأرض، ولم تكن لتمنع الحلفاء من اقتحام مبنى مستشارية الرايخ وسقوط الأسطورة النازية. يذكّرني الخطاب القطري المتناقض في تعاطيه مع الأزمة الحالية، بالسياسة الإعلامية البائسة التي انتهجها وزير الدعاية النازي «جوبلز» في الحرب العالمية الثانية، والتي انتهت بانتحاره في الأول من مايو عام 1945، بعد يوم واحد من انتحار قائده الفوهرر أدولف هتلر. السياسة القطرية تعاني انفصاما حادا في المواقف منذ أمد بعيد، فهي من تدّعي الحرص على أمن الخليج ووحدته، وفي الوقت ذاته تتعاون مع من يقوضون أمنه واستقراره، عندما تحولت الدولة الصغيرة إلى وكر للجماعات الإرهابية المتطرفة التي تستهدف أمن الخليج ووحدته! خذ مثلا، قطر تدعم حماس دعما معلنا وصريحا، ثم تهرول نحو الجانب الإسرائيلي وتعزز علاقتها مع كثير من المسؤولين الإسرائيلين، وفي الوقت ذاته تعلن أنها تسعى إلى تعزيز علاقتها مع إيران الراعي الرسمي للإرهاب، وهي مع ذلك كانت مشاركة في الحرب على الميليشيات الحوثية المدعومة من طهران، حتى ولو كانت مشاركة لا يُعتدّ بها. تزعم قطر أنها تكافح الإرهاب، وهي تدعم جبهة النصرة الإرهابية، وتستضيف قياداتها عبر قنواتها التلفزيونية، ويتم تسخير المال القطري لدعم المتطرفين الإسلاموين في سورية وليبيا والبحرين، وغيرها من الدول، وتحرّض باستمرار على إثارة القلاقل في شرق المملكة العربية السعودية، والتدخل في شؤون جيرانها من دول الخليج. قطر التي فتحت أراضيها لدعاة الإرهاب الذين لفظتهم بلدانهم، ليجدوا في قطر مأوى لهم، ولينفثوا عبر أقنيتها الإعلامية سمومهم تجاه المملكة العربية السعودية ودول الخليج والدول العربية، لم تستفد من الفرص التي منحها لها أشقاؤها أكثر من مرة، وواصلت سياستها المستخفة بكل القوانين والأعراف الدولية ومعايير حسن الجوار، وتنصلت من كل التزاماتها السابقة تجاه مجلس التعاون الخليجي. وحتى بعد قطع العلاقات، واصلت الدبلوماسية القطرية لغتها المرتبكة وتجلت مشكلة «الفصام» المزمنة بشكل واضح وحاد في الأسابيع القليلة الماضية، فوزير الخارجية القطري الذي يقود حملة «شكوى وادّعاء للمظلومية» في الأوساط السياسية الغربية، هو ذاته الذي يؤكد أن قطر لن تتأثر بالمقاطعة، مهما طالت مدتها، وقناة الجزيرة التي تسمي المقاطعة «حصارا خانقا»، هي من تبث وصول الطائرات الإيرانية والتركية إلى مطارات الدوحة لتؤكد أنها غير مؤثرة! وكما أن الفصام يؤدي إلى الانتحار، إذا لم يُعالج، فإن فصام المواقف السياسية القطرية هو بمثابة انتحار سياسي، تُقْدم عليه الدوحة بعدما سلّمت أمرها للمتطرفين وبقايا جماعة الإخوان الإرهابية، وهو مصير حتمي ما لم تصحح الدوحة نهجها السقيم، وتنصاع لمطالب الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، وإن لم تبادر الحكومة القطرية بذلك، فإن الانتحار سيكون هو المشترك التاريخي بين الفوهرر ووزير إعلامه من جهة، وحكومة قطر وأذرعها الإعلامية الخبيثة من جهة أخرى. ألم أقل لكم: التاريخ.. ساخر كبير!.