بقيت خبطة حصول قناة «الجزيرة» على تأكيدات قادة القاعدة أنهم خلف أحداث 11 سبتمبر التي ضربت أميركا في العمق، الخبطة الأهم لها عبر تاريخها. لكن مع أهمية هذه الخبطة تم تسريبها وتسريب مكان إقامة خالد الشيخ ورمزي بن الشيبة للمخابرات الأميركية CIA حتى قبل بث برنامج «سري للغاية» الذي نشر التأكيدات، وكان هذا التسريب هدية من أمير قطر السابق حمد بن خليفة لرئيس الاستخبارات الأميركية جورج تينت. على زعم هذا الأخير. يشدد كتاب «نهاية عصر الجزيرة» الصادر عن دار مدارك على الدور الذي لعبه أمير قطر السابق حمد بن خليفة في تسريب أهم خبطات قناة الجزيرة المهنية للاستخبارات الأميركية CIA بغية كسب رضاها، والنيل من السعودية، والحصول على مساحة أكبر من الاهتمام تلبية لمتطلبات عقدة النقص التي يعانيها في بلد صغير الحجم والأهمية. هدية حمد المدهشة ل CIA وصل جورج تينيت لاجتماع الخامسة مساء اليومي في مقر ال CIA ودخل القاعة بحماس واندفاع. وقال بينما كان كبار موظفي «CIA» يدخلون القاعة ويجلسون على مقاعدهم «سأتكلم أنا أولا اليوم»، وهكذا تم تغيير البروتوكول المعتاد للاجتماع اليومي، ليتحدث تينيت أولا قبل مدير مركز مكافحة الإرهاب في ال« CIA ». وأضاف بثقة: «ما لدي اليوم سيكون البند الأهم الذي سنناقشه». كان الاجتماع في منتصف يونيو، وبعد أن تأكد تينيت من وصول الجميع وجلوسهم، قال «كما تعلمون، لقد كانت لدينا خلافاتنا مع صديقي الأمير». ثم أضاف: «لكنه اليوم قدم لنا هدية مدهشة». ثم سرد الحكاية، وهو يستمتع بتلاوتها. إنها حكاية اجتماع يسري فودة مع كبار قيادات الجزيرة عن لقائه مع خالد ورمزي، مع كل التفاصيل المهمة - بما في ذلك معلومات رئيسة كالموقع التقريبي للمبنى ومن كان هناك، وطبيعة المعلومات التي كشف عنها خالد شيخ محمد ورمزي بن الشيبة، بما فيها الخطة الملغاة لضرب منشآت نووية في الولاياتالمتحدة. وكان لدى فودة فكرة جيدة عن موقع الشقة في كراتشي، ورقم الطابق الذي توجد فيه. واختتم تينيت الحكاية بتعبيره الأثير: «وبعبارة أخرى، لقد عثرنا على ابن ال (...)». ونوقشت في محادثة الأمير مع تينيت شروط الأمير حول كيفية تعامل « CIA » مع المعلومات، حتى لا تتهم الجزيرة بتسريبها. وبسرعة ساد جو احتفالي في قاعة الاجتماع. وكما قال لي مسؤول في «CIA» حضر ذلك الاجتماع: «لقد كانت تلك حكاية جورج ورواها بطريقته الخاصة، وكان يحب أن يوصلها لنا بأسلوب مضخم. وكلنا أحببنا أن يكون قادرا على القيام بذلك، وكانت تلك أفضل معلومات استخبارية (INTEL) تصلنا عن القاعدة حتى تلك اللحظة». وطُرحت بعض الأسئلة خلال الاجتماع: هل كان الأمير يفعل هذا ليغيظ جيرانه السعوديين الذين زَعَمَ أنهم حاولوا اغتياله قبل عدة سنوات، ولم يكونوا يتعاونون جيدا مع عدد من مطالب الولاياتالمتحدة؟ وهل كان يحاول كسب ود أميركا بالرغم من حقيقة تدميرها مكتب محطته في كابول، أو بسبب تدميرها؟ وهل أدى استعمال القوة، في هذه الحالة، للنتيجة المرجوة؟ أولئك الذين يؤمنون بأهمية القوة قالوا: نعم. ثم بدؤوا يناقشون بحماس المهام الحساسة القادمة على أساس هدية الأمير. وستبدأ على الفور وكالة الأمن القومي (NSA) المختصة بجمع المعلومات المرسلة عن طريق أنظمة الاتصالات المختلفة وتحليلها، في تغطية مناطق معينة من كراتشي. ويجب على رؤساء محطة « CIA » في باكستان البدء بالتخطيط لاستراتيجية المعلومات البشرية. يمكن تركيز جميع جهود عمليات مركز مكافحة الإرهاب الآن على «كراتشي». وينبغي إعطاء من يستجوبون «أبو زبيدة» سلاحا جديدا، وهو القدرة على مفاجأته بصورة غير متوقعة بمعلومات جديدة، وأنهم يعرفون مكان وجود «مختار» لقب خالد شيخ محمد، وابن الشيبة، ومن ثم ملاحظة ما إذا كان الأسير قد يملأ لهم بدون قصد بعض الفجوات المعلوماتية. هذه هي الطريقة لجمع بعض أفضل المعلومات: أن يقول الأسير شيئا يعتقد أن المحققين يعرفونه بالفعل. وأخيرا قال تينيت للحضور: «لا أحد منكم سينام»، وأضاف «سنضيق عليهم الخناق». القبض على رمزي بن الشيبة في 8 سبتمبر 2002 نشرت مجلة الأحد لصحيفة صنداي تايمز اللندنية مقالة مهمة ليسري فودة عن لقائه مع خالد شيخ محمد ورمزي بن الشيبة، وبدأت الجزيرة ببث إعلانات عن برنامج فودة المرتقب «سري للغاية: الطريق إلى 11 سبتمبر» المقرر بثه في 12 سبتمبر 2002 ليتزامن مع الذكرى السنوية الأولى للهجمات الإرهابية. وفي ذلك الوقت، كانت الشرطة الباكستانية وعملاء « CIA » قد عثروا بالفعل على المبنى، وبدؤوا بمراقبته منذ شهر تقريبا. وكان توقيت اقتحام الشقة جزءا من الترتيب المتفق عليه بين تينيت والأمير. اقتحام الشقة قبل بث برنامج فودة سيجعل المراقبين يعتقدون أن « CIA » قد تلقت معلومات من الجزيرة. ولكن بعد بث البرنامج، ستكون التهمة الوحيدة هي أن تغطية الجزيرة أي برنامج فودة نفسه قد يكون أدى – بدون قصد - لمساعدة «CIA» في معرفة مخبأ مخططي عملية 11 سبتمبر. وفي الثالثة من صباح 11 سبتمبر، بدأت الشرطة تطرق أبواب عدة شقق في المبنى. وعثروا في واحدة على زوجة وطفلي خالد شيخ محمد ونقلوهم فورا إلى الحجز، ولكن خالد نفسه لم يعثر له على أثر. وفي شقة أخرى، كان ابن الشيبة مع ستة رجال آخرين. وهنا، وقعت مقاومة فورية وشرسة. وقذف أحدهم قنبلة يدوية على الشرطة وانفجرت. وقتل إرهابي، وهو يحاول الوصول لحقيبة تحتوي على قنابل يدوية وغيرها من الأسلحة. وبينما قبضت الشرطة على ثلاثة رجال، بدأ ابن الشيبة وزميلاه يطلقون بكثافة من بنادق ويقذفون قنابل يدوية. الشرطة لم تستعد لمثل هذه المقاومة وتراجعت مع الأسرى وأربعة ضباط جرحى لحين وصول قوة إضافية. وخلال الساعات القليلة المقبلة، أطلقت الشرطة الرصاص وقنابل الغاز المسيل للدموع على الشقة. ولكن ابن الشيبة وزميليه لم يستسلما والشرطة كانت خائفة ومرتبكة لعدم إكمالها المهمة. وأخيرا تراجع الإرهابيون الثلاثة إلى مطبخ بلا نوافذ. ثم أطلقوا النار بغزارة من بندقية على الشرطة في مدخل الشقة، وعندما أُمروا بالاستسلام صاح أحد الإرهابيين: «أنذال». وحاول إرهابي مغادرة المطبخ لقذف قنبلة على الشرطة، ولكنه قتل على الفور. وحارب ابن الشيبة حتى النهاية. وأخيرا هجم بنفسه على ضابط ليأخذ مسدسه، ولكنهم قبضوا عليه. فودة ضحية تعرضت للخداع تيقنت أن فودة «لم يكن يعلم» أن أمير قطر سيسرب تفاصيل تقاريره الحصرية إلى «CIA». وأنا مقتنع أن فودة كان ضحية وتعرض للخداع. بعد عامين من التفكير في خطوته أعلن فودة رحيله عن قناة الجزيرة والابتعاد تماما عن الشاشة، وجاء رحيله من الجزيرة متزامنا مع رحيل عدد من العاملين المصريين فيها، في شكل بدا كأنه رحيل مصري جماعي. الجزيرة ناطق باسم حماس «لم أعد قادراً على الاستمرار في دفاعي عن قناة «الجزيرة» داخل أميركا»... هكذا يستهل مذيع قناة «الجزيرة» والمدير السابق لمكتب واشنطن حافظ الميرازي حواره مع «الحياة» حول أسباب تركه القناة. ويضيف: «هذا القرار يراودني منذ ثلاث سنوات، وتحديداً منذ أن تولى وضاح خنفر إدارة القناة. منذ ذاك الحين و«الجزيرة» أخذت بالتغير، على الرغم من أن خنفر شخص مهذب إلا أنه تنقصه الخبرة الصحافية المطلوبة لإدارة هكذا محطة. فلا يكفي مثلاً أن تكون مراسلاً نشطاً، لتصبح مديراً لقناة بحجم «الجزيرة». ويوضح الميرازي أنه منذ اليوم الأول لعهد خنفر تجلى التغيير في المحطة، «خصوصاً لجهة اختياره مساعدين ينتمون في غالبيتهم إلى التيار الإسلامي المتشدد». ويضيف: «عبرت عن تحفظي مراراً للسياسات المترتبة على هكذا تغيير، لا سيما أن «الجزيرة» تخطت الخط الأحمر. وكنت حريصاً على ألا تتحول القناة إلى تلفزيون «حماس»، هناك فارق بين تلفزيون ناطق باسم «حماس» وبين قناة «الجزيرة» التي يجب ألا تلعب على نغمة «الشارع عاوز كده»، لأن من شأن ذلك أن ينسف كل المعايير المهنية». ويتحدث الميرازي عن الضغوطات التي مورست عليه في هذا الإطار، ويشير إلى أن أبرزها «إحباط المراسلين من حولي وعدم إذاعة تقاريرهم. أضف إلى ذلك أنه بينما كنت مسؤولاً في الماضي عن تحديد سياسة مكتب واشنطن، صارت قراراته تصدر من قطر، من أناس أصحاب أجندات تدعم تياراً دينياً محدداً، وتنقصهم الخبرة. فأحدهم لا يمكن أن يصافح سيدة، وآخر تخلصت منه فضائية عربية بسبب اتجاهاته المتطرفة». 5 مذيعين ومراسلين يكشفون المستور بينما كانت اتهامات «الأخونة» تلاحق مذيعة الحجاب بالتلفزيون المصري، فاطمة نبيل، التي التحقت للعمل ب«الجزيرة مباشر مصر» باعتبارها «قناة الثورة»، لم تستمر «فاطمة» سوى 6 أشهر لتغادر القناة، بعد ما وصفته ب«مؤامرة على الجيش المصري». وحين خرج ملايين المصريين في الثلاثين من يونيو، رفضا لاستمرار الحكم الإخواني لمصر، كانت قناة الجزيرة مباشر مصر، تسير في طريق مغاير، وتعمدت -بشكل أو بآخر- ألا تسلك الطريق الذي سلكه المصريون الغاضبون من سياسة نظام الرئيس المعزول محمد مرسي. وعقب بيان القيادة العامة للقوات المسلحة الذي تلاه الفريق أول عبدالفتاح السيسي، القائد العام وزير الدفاع والإنتاج الحربي، اقتحمت قوات الأمن مقر القناة، واحتجزت بعض العاملين فيها على الهواء مباشرة، وذلك بعد دقائق من بث «الجزيرة» خطابا مسجلا للرئيس المعزول، قالت إنه يرد خلاله على بيان السيسي. وكانت حقيقة خطاب المعزول الذي تم تصويره بكاميرا جهاز «تاب»، أنه سبق بيان السيسي، ولم يكن لاحقا له كما قالت الجزيرة مباشر مصر، عبر شريط أحمر، كتبته أسفل الشاشة. لم يحتمل بعض مراسلي القناة، السياسة التي تتبعها «الجزيرة مباشر مصر» في تغطية أحداث ثورة الثلاثين من يونيو، وفجر مراسلها في محافظة الأقصر حجاج سلامة، أولى المفاجآت، بإعلانه الاستقالة من القناة، لعدم التزامها بالأصول المهنية في التغطية الإعلامية للأحداث. وعبر شاشة فضائية «دريم 2»، اتهم سلامة «الجزيرة مباشر مصر»، بإثارة الفتن بين أبناء الشعب المصري، وأن لديها أجندة ضد مصر، إلى جانب كثير من البلدان العربية، بحسب وصفه. وزاد حجاج من اتهاماته ل«الجزيرة مباشر»، قائلا إنها كانت تعطي توجيهات لكل العاملين بها لصالح جماعة الإخوان التي خرج منها الرئيس المعزول محمد مرسي، حيث كانت هناك تعليمات تصل للقناة لنشر أخبار بعينها. على نفس نهج حجاج سلامة، سار زميله المراسل للقناة في بني سويف، خلف أمين، ذلك الذي اتهم «الجزيرة مباشر» بعدم الحيادية، متهما جماعة الإخوان بأنها سيطرت على مقاليد العمل في القناة، حيث رفضت إذاعة المظاهرات المؤيدة للشرعية الشعبية، والمؤيدة لبيان الجيش. وانضم حسن عبدالغفار، مراسل القناة بالمنيا، إلى قائمة زملائه المستقيلين من «الجزيرة مباشر»، معتبرا أنه شعر بارتياح شديد بعد اتخاذ قراره بالاستقالة. لم يكن مراسلو القناة وحدهم، الذين شعروا بانحياز القناة لمؤيدي الرئيس المعزول، بل وصل نفس الشعور إلى مشاهدي «الجزيرة مباشر»، بخاصة الذين يقومون بإجراء اتصالات هاتفية.. فإذا كانوا مؤيدين للجيش يتم قطع الاتصال عنهم، أو تضييق الخناق عليهم، قبل الانتهاء من رصد آرائهم، أما إذا كانوا مؤيدين ل«المعزول»، فإنهم يحصلون على مساحة كاملة من الوقت لإبداء آرائهم. كانت النيابة العامة، قد انتبهت لخطة الجزيرة مبكرا، حيث أمرت نيابة بولاق أبوالعلا، باستدعاء عبدالفتاح فايد، مدير مكتب القناة بالقاهرة، لاتهامه بتكدير السلم العام، وتهديد الأمن القومي، وذلك من خلال بث مواد إعلامية وإخبارية تحرض على ذلك. لكن.. لم تتوقف الاستقالات عند المراسلين بالقناة، بل امتدت إلى مذيعين كبار، ظلوا فترات طويلة أساسيين على شاشة «الجزيرة مباشر»، وفي مقدمتهم الإعلامي كارم محمود، وذلك احتجاجا على تغطيتها للشأن المصري بعد 30 يونيو. استقالة كارم، جاءت بعد ساعات قليلة من طرد طاقم القناة من المؤتمر الصحفي الذي عقدته القوات المسلحة، وكان من بين الذين غادروا قاعة المؤتمر، عبدالفتاح فايد، مدير مكتب الجزيرة بالقاهرة. وبعد دقائق من رحيل كارم محمود عن القناة، أعلنت «مذيعة الحجاب» استقالتها من الجزيرة مباشر مصر، لأسباب عدة تتعلق بانحياز القناة لصف الإسلام السياسي، حتى إن الرسائل النصية كانت منتقاة في أغلب الأحيان، لإبراز قوة وضخامة مؤيدي الرئيس المعزول. فاطمة كشفت المستور داخل القناة التي كانت تأتي بضيوف محددين، وسط تجاهل تام لباقي أطراف المعارضة، فضلا عن تلقين العاملين بالقناة لإذاعة كلام بعينه على الهواء مباشرة. 5 مذيعات يستقلن بصورة جماعية استقالت 5 مذيعات من الجزيرة، بسبب خلافات مع الإدارة حول مسائل بينها الضوابط على اللباس والماكياج، وأفادت الأنباء بأن المذيعات المستقيلات هن اللبنانيات؛ جمانة نمور ولينا زهر الدين وجلنار موسى والتونسية نوفر عفلي والسورية لونا الشبل. ونقلت وكالة فرانس برس عن إحدى المذيعات الخمس المستقيلات قولها: إن الاستقالة أتت نتيحة «تراكمات خمس أو ست سنوات، وبسبب سياسة لا تحترم القواعد المهنية؛ فالموظف لا يعامل حسب مؤهلاته وخبرته، ولكن حسب مزاجية بعض المسؤولين». وأشارت إلى أن بعض المسؤولين في القناة «يوجهون لنا ملاحظات خارجة عن حدود اللياقة، وخارج الإطار المهني والأخلاقي». بدورها، تقدمت الإعلامية المصرية سوزان حرفي باستقالة من عملها كمذيعة بالقناة، وقالت في خطاب استقالتها إنها أدركت «أن الفرص وما يرتبط بها من حراك مهني داخل القناة لا تخضع لقواعد يعتد بها، وإنما للحسابات والمواقف الشخصية والأحكام المسبقة، مما أصاب المهنية في مقتل، وأودى بحرية التعبير صريعة على مذبح القناة، أو بالأصح على عتبتها».