قال أستاذ الأدب والنقد والبلاغة في كلية الآداب بجامعة الملك فيصل بالأحساء الدكتور نضال الشمالي: إن الأكاديميين يتحرجون عندما يذهبون إلى دائرة الإبداع «الأدبي»، هم دائماً ما ينطلقون من منصات النقد أكثر من الإبداع، موضحاً أن الكثير من الأكاديميين رغم امتلاكهم للجانب الإبداعي إلا أنهم يحرصون على إخفائه لديهم، لافتاً إلى أن نظام العقل يقود الأكاديميين، وأن الأدب لا يقبل التنظيم العقلي إطلاقاً. جاء ذلك، خلال كلمة الشامي، الذي أدار مسامرة ثقافية أول من أمس حملت عنوان: «لقاء البحر» للأكاديمي عضو هيئة التدريس في كلية الآداب في جامعة الملك فيصل بالأحساء الدكتور محمود السلمان. وأبان الشمالي أن ما يميز هذه الرواية أنها تجربة ثرية، وأن مؤلفها أكاديمي متخصص. أدب تحليلي قال الشمالي ل«الوطن» إن أسباب تشكّل التجربة الإبداعية نقطة حرجة لدى الأكاديميين عامة والنقاد منهم خاصة، إلى التشكيل الذهني الذي ينطلق منه الأكاديمي، وهو تشكيل محكوم لسلطان العقل والمنطق والتنظيم الصارم لاستيعاب الظواهر الحياتية المتعاقبة واستجلاب التفاسير المنطقية لها، أما قانون الإبداع الأدبي فيحيا بالحرية ويهوى تجاوز المحددات وخرق أفق الانتظار وإدهاش القارئ وإمتاعه، لذا لا نجد له ضوابط محددة؛ لأنه يمارس التجريب والتجديد على الدوام. مضيفا أنه من هذا المنطلق الذهني لا يمكن للأكاديميين والنقاد منهم أن يتمردوا على ذهنيتهم والتنكر لها لحظة الإبداع، فنجد أدبهم مكشوفا منظما قائما على التحليل والتفسير أكثر مما يقوم على الإجمال والإيحاء والإمتاع، موضحاً أنه عند المقارنة بين سيرتين ذاتيين خُطتا بقلم مبدعة هي فدوى طوقان في «رحلة جبلية رحلة صعبة» وسيرة أكاديمي وناقد عريق هو إحسان عباس في «غربة الراعي»، وكلتاهما بلغتا من الأهمية الأدبية ما بلغت لوجدنا تنافراً كبيراً في الأسلوب وفي طريقة المعالجة والإدهاش، إذ تفوقت سيرة فدوى طوقان بحكم شاعريتها المتمردة على القوانين على سيرة إحسان عباس القائمة على الانتقاء الصارم والتحليل الدقيق لمحطات حياته. وقد تكرر ذلك مع تجربة الدكتور إبراهيم السعافين الأدبية، فإبراهيم السعافين ناقد وأكاديمي متمرس عاقر صنوفا أدبية متعددة كان الشعر على رأسها، والقارئ لشعره لا يلمح بريق الإبداع المنتظر بسبب التنظيم والاختيار المتعمد للألفاظ المحكوم لسلطان العقل. ومن النقاد الأكاديميين الذين تمردوا على ذلك وخالفوا ما رميت إليه الدكتور شكري المبخوت في روايته «الإيطالي». طاقة حب أشار السلمان خلال المسامرة إلى أن الرواية «لقاء البحر»، دارت أحداثها بين حيفا الفلسطينية وعمان الأردنية، والبحر الأبيض المتوسط، وقد عاصر والده بالقرب من البحر، والانتقال من حيفا إلى الأردن، حيث ولد في الأردن ولم ير هذا البحر، وهي تجربة شخص عاش مرحلة انتقالية بين أب وأم عاشا في يوم من الأيام في وطنه الأصلي فلسطين، وتتناول الراوية الانتقال من مكان إلى آخر، مع أهمية المكان، وأن للماضي محبة تأتي من الحرمان، وأن الحرمان يولد طاقة حب غير طبيعية، وأن الحرمان من رؤية المكان يجعل للمكان قيمة كبيرة. توظيف البحر أكد رئيس نادي الأحساء الأدبي الدكتور ظافر الشهري، خلال مداخلته في المسامرة، أن توظيف البحر في هذه الرواية بشكل متنوع ما بين الفرح والحزن، أكسب العمل تميزاً كبيراً، وأن البحر رمز كبير لكثير من الأبعاد الإنسانية والوجدانية، لاسيما أن البحر ارتبط توظيفه في كثير من الروايات والقصص والقصائد الشعرية بالخوف. وعبر نائب رئيس النادي الدكتور خالد الجريان، خلال مداخلته في المسامرة، عن أسفه الشديد، لامتلاء معارض الكتب والمكتبات للروايات التي تحمل في مضمونها الغث أكثر من السمين، والتي تهتم بالجانب السطحي، بينما راوية «لقاء البحر»، من الروايات الجميلة، التي تدخل في نطاق الروايات التوثيقية، والتي ركزت على حياة أمة، وهم الفلسطينيون، الذين عاشوا الحرمان والظلم والخوف، وهي جديرة بالمنافسة على الجوائز المتخصصة في الراوية.