بينما تجري الاستعدادات المكثفة لإطلاق مفاوضات سلام سورية، في عاصمة كازاخستان، أستانة، غدا، يستمر التضارب في مواقف الدول والأطراف الفاعلة في الأزمة السورية، بشأن كيفية تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، وتحديد مصير الأسد، ورغم ضبابية عدد وماهية الدول المشاركة في المفاوضات، إلا أن مجلس الأمن الدولي أكد تأييده للمفاوضات، مشيرا إلى أنها تهيئ الأجواء للعودة إلى محادثات جنيف في أقرب وقت، فيما شككت قوى غربية في المفاوضات، معربة عن مخاوفها من أن تتخذ مسارا موازيا لمحادثات جنيف. بدوره، ألقى المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، مسؤولية عدم مشاركة الولاياتالمتحدة على عاتق طهران، التي رفضت توجيه دعوة مشتركة لواشنطن، مؤكدا أنه لا يمكن حل الصراع بدون مشاركة الأخيرة. ويسود اختلاف كبير في تصريحات المسؤولين الروس والسوريين، حول الهدف من المشاركة، فبينما يرى البعض أنها تهدف لتثبيت الهدنة، فقط، يصر آخرون على أنها تمهيد لاستئناف مفاوضات جنيف. تراجع الدور الإيراني وكانت طهران قد استبقت إدارة الرئيس الجديد، دونالد ترمب، بإعلان رفضها توجيه دعوة مشتركة لها، وهي الخطوة التي أشارت تقارير إلى أنها تأتي نتيجة لانزعاجها من تصريحات ترمب حول برنامجها النووي، فضلا عن قلقها مما وصف بأنه "تراجع" لدورها في المعادلة السورية بعد اتفاق موسكووأنقرة. وكشفت وسائل إعلام إيرانية أن أسباب زيارة وزير خارجية النظام وليد المعلم، ورئيس مكتب الأمن الوطني السوري، علي مملوك، لطهران، نهاية العام الماضي، هي طمأنة المسؤولين الإيرانيين بشأن اتفاق وقف إطلاق النار، الذي توصلت إليه روسياوتركيا. وهو ما دفع عددا من مسؤولي طهران إلى إطلاق تصريحات رافضة لتراجع دورها في الأزمة، حيث قال الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، في تصريحات صحفية إن بلاده تقف ضد أي حل يمكن أن يؤدي إلى إزالة نظام الأسد، كما سارع المتحدث باسم الحرس الثوري، إلى رفض انسحاب حزب الله وسائر الميليشيات الطائفية من الأراضي السورية، وهو الطلب الذي ألمحت إليه موسكومرات عديدة، وصرحت به أنقرة رسميا، مؤكدة أنه يمثل أولى خطوات تثبيت الهدنة بشكل دائم. تبدلات الموقف الروسي شهد الموقف الروسي تطورا ملحوظا، بإعلان موسكو عدم ممانعتها مشاركة أي أطراف غير مرتبطة بتنظيم داعش، فبعد أن كانت في السابق تتحفظ على مشاركة عدد من فصائل المقاومة، بسبب "تورطها في أعمال إرهابية"، إضافة إلى الاختلاف حول تصنيف المنظمات الإرهابية عن فصائل المقاومة، وهو ما مثل نقطة خلاف أساسية بين موسكووأنقرة، إلا أن الأولى عادت هذه المرة، وأعلنت موافقتها على لسان وزير خارجيتها، سيرجي لافروف، بمشاركة كل الفصائل غير المرتبطة بتنظيم داعش وجبهة فتح الشام، في مفاوضات أستانة، ولا تعارض مشاركة "جيش الإسلام" غير الوارد اسمه على قائمة الإرهاب الأممية في المشاركة بالمحادثات، والذي انضم إلى الهدنة في سورية. وكان مجلس الأمن قد تحدث في 31 ديسمبر الماضي عن مفاوضات أستانة كجزء من المفاوضات، وباعتبارها تشكل خطوة لاستئناف مفاوضات جنيف في الثامن من فبراير المقبل، وفق ما أكد المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا. تقبل الرؤية التركية استطاعت تركيا خلال الفترة الماضية التوصل إلى تفاهمات عديدة مع روسيا حول سبل حل الأزمة، وهو ما مثل تغيرا كبيرا في الموقف الروسي الذي كان يتطابق في الماضي مع رؤى النظام الإيراني، وأثار هذا التقارب الذي يزداد يوما بعد يوم بين أنقرةوموسكو حفيظة طهران، التي حاولت دون جدوى إقناع النظام الروسي باستمرار الحل العسكري في سورية. وتجلى التقارب الروسي التركي في موافقة موسكو على طلب تركيا بعدم السماح بمشاركة أطراف كردية في مفاوضات أستانة، حيث أكد وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو رفض بلاده مشاركة وحدات حماية الشعب الكردية في محادثات السلام السورية. وأضاف أوغلو "أبلغنا روسيا من البداية أن منظمة إرهابية مثل وحدات حماية الشعب يجب أن لا تشارك في محادثات أستانا"، وقال إنه إذا ألقى حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية السلاح، وأيدا وحدة أراضي سورية، فيمكن إدراجهما في إطار حل شامل. مواقف الفصائل قال الجيش السوري الحر إن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم توقيعه برعاية روسياوتركيا لم يستثن أي منطقة أو فصيل ثوري في سورية. بدورها تحفظت جبهة فتح الشام على الموقف من الأسد، وقال المتحدث باسمها، حسام الشافعي، إنهم لم يحضروا أو يوقعوا أو يفوضوا أحدا للتحدث باسمهم، ورفض المشاركة في الحل السياسي إلا بعد النص صراحة على رحيل النظام، وأضاف "مصير الأسد لم يذكر نصا أو لفظا، والحل السياسي في هذه الاتفاقية يسير ضمن إعادة إنتاج النظام المجرم". أكدت حركة أحرار الشام مقاطعتها مؤتمر أستانة، بسبب عدم تحقق وقف إطلاق النار الذي يتزامن مع حملة شرسة ضد أهالي وادي بردى، إضافة إلى تسويق روسيا نفسها كطرف ضامن بالتوازي مع غاراتها الجوية على الأهالي. واستدركت الحركة بالتأكيد على تأييدها للمشاركين في المؤتمر، شرط "تحقيق نتائج طيبة تصب في مصلحة الأمة والتخفيف عنها". المعارضة السياسية قال رئيس وفد الفصائل السورية المعارضة إلى أستانة محمد علوش إن المعارضة ستعمل على تثبيت وقف إطلاق النار ومنع انتهاكات النظام، وإن الوفد يعتبر المفاوضات جبهة من جبهات القتال. واعتبر أن حركة أحرار الشام "كأنها موجودة" في المحادثات، وذلك بعد إعلانها عدم المشاركة رغم تأييدها للفصائل المشاركة. وأضاف علوش أن الوفد سيذهب إلى أستانا لتثبيت اتفاق وقف النار، ولوقف اقتحامات النظام للغوطة ومنعه من إجبار الفصائل في ريف دمشق على المصالحة، وأيضا للاتفاق على فك الحصار على المناطق المحاصرة وإخراج المعتقلين. الموقف من الأسد جددت أنقرة تمسكها بحتمية رحيل رأس النظام السوري، بشار الأسد، كمدخل أساسي لإيجاد حل سلمي للأزمة، ونفى نائب رئيس الوزراء التركي، محمد شيمشك، الأنباء التي تناقلتها وكالة "سبوتنيك" الروسية للأنباء، بأن بلاده لم تعد تصر على اتفاق في سورية بدون الأسد، وهي التصريحات التي أثارت استغراب فصائل المقاومة السورية. وأكد شيمشك أنه ليس لديه أي تصريح يتعلق بالأسد، مشيرا إلى أن ما ذكر محرف تماما، ورأي خاص لوكالة الأنباء الروسية، مشددا على أن "الأسد سبب المأساة في سورية، ولا يمكن قبول حل يكون جزءا منه". وأن الموقف التركي في هذا الصدد "مبدئي وواضح ولم يتغير".