من منا لم تستوقفه حادثة هجوم إسطنبول الدامية والحزينة فجر رأس السنة، تلك الجريمة البشعة والمفجعة، وربما هي ليست الأكثر بشاعة، لكننا في كل مرة نشهد فيها جرائم مماثلة نعود لذات الاندهاش والتساؤل؛ لأي درجة يمكن فيها لإنسان يحمل قلبا وأحاسيس وذاكرة كبني البشر، أن يقدم على شر كهذا؟ كيف لعقل إنسان أن يحوله إلى الشيطانية المطلقة، فيخطط لجريمة وينفذها وبعدها ينام ويأكل، وحتى يبتسم!. في الحقيقة لم أكتب لأصف كل ذلك الاندهاش بهذا النوع من البشر، ولا عن الجدل والنقاشات غير المنتهية والمؤسفة والتي وضعت لمكان حدوث الجريمة أهمية أو التي توغلت في أمر المشاركة أو عدم المشاركة في الاحتفال برأس السنة، أو حتى التواجد هناك صدفة. حديثي اليوم هو فقط عن فئة محددة من البشر، فئة لا تضع قدرا لقيم ومبادئ ولا حتى لمشاعر البشر، هم المتباهون باللا إنسانية، أولئك الفرحون بالقتل والشامتون بالموتى والمجاهرون بكل ذلك، وعن تلك الجرأة التي مكنتهم من الإعلان عن اعتناقهم لأفكار دموية لا تمت بصلة لدين أو لفطرة سوية. فنحن ولو تجاهلنا الانحراف الأخلاقي والإنساني والديني الذي يتصف به المؤيدون للقتل والمبررون له، إلا أننا يجب أن نضع نصب أعيننا حقيقة وحيدة، وهي أن تأييد القتل لا يقل شرا ولا خطرا عن القتل نفسه، حيث إن الإرهاب الدموي يحتاج لإرهاب فكري يغذيه، لمؤيدين أولاً، ولقوم لا يتناهون عنه أو عن تأييده ثانيا، ومن ثم إلى قاتل ذي دمٍ بارد يُنفذه. لذلك فإن قبول الإرهاب سرا أو علانية يجرنا لا محالة إلى هاوية لا نجاة منها، وهي أن يأتي يومٌ لا نأمن فيه على أنفسنا حال خروجنا من منازلنا، أو حتى البقاء فيها، فلا يوجد ما هو أخطر من الاستهانة بالدماء واستمراء زهق الأرواح، فمن واجبنا جميعا أفرادا ومؤسسات أن نرفض وبصوت عالٍ وبقلب غير وجل أي قول يحمل بين طياته تأييدا لإرهاب أو تشفيا بضحاياه، فالمسؤولية ثقيلة وتقع على عاتق كلٍ منا، فلا مجاملة ولا مهادنة فيما يمس حياتنا ويشوه ديننا وقيمنا وإنسانيتنا، ذلك إن أردنا حقا أن نذود عن ديننا دين السلام والتعايش والرحمة، وأن ننقذ أنفسنا والعالم من الغرق في بحار متدفقة من الدم، ومن يوم مظلم، نجد فيه عصرنا هذا أكثر ظلمة، بل وأكثر رعبا من العصور الوسطى تلك العصور المخيفة والمظلمة.