أعاد رحيل صاحب أول دكتوراه في اللغة والأدب الفارسي الدكتور خالد أحمد البدلي، نهاية الأسبوع الماضي، جدلا كانت قد أثارته جامعة الملك سعود العام قبل الماضي حين أكدت تعليق تدريس اللغة الفارسية في كليات اللغات والترجمة التابعة لها، نظرا لعدم الإقبال عليها، وترشيد الإمكانات والحرص على التركيز على المخرجات التي يتطلبها سوق العمل. أهم تخصصات اللغات الشرقية قال الباحث في الدراسات الإيرانية المعاصرة، أستاذ اللغة الفارسية بكلية اللغات والترجمة بجامعة الملك سعود الدكتور سعد محمد بن نامي ل"الوطن": الفارسية لغة مهمة وحاضرة بقوة في التاريخ الإسلامي من خلال المخطوطات والترجمات التي تهتم بها الجامعة. وسبق للجامعة أن ابتعثت إلى إيران ثلاثة من أعضاء هيئة التدريس السعوديين في وقت سابق، إلا أنه نظرا للعلاقات السعودية - الإيرانية تم تحويلهم إلى بريطانيا لتعلم اللغة التي يقدم خريجوها كثيرا من الخدمات للجهات الحكومية، إضافة إلى تدريس لغات أخرى. وأضاف ابن نامي: الدكتور البدلي علم في مجاله وغني عن التعريف، رحمه الله، إذ كان من الرعيل الأول الذي درس وأتقن هذه اللغة التي تعد من أهم التخصصات في اللغات الشرقية الإسلامية، وتنتشر في إيران وأفغانستان وطاجيكستان، كما أن الفارسية تدرس في كثير من ثانويات بلدان آسيا وأوروبا باعتبارها اللغة الثانية التي يحق للطالب انتخابها من بين أربع لغات الفارسية والعربية والألمانية والعبرية، هذه الدول هي: أذربيجان، أرمينيا، جورجيا وتركمانستان. وأنا أدعو للتوسع في دراستها، بالنظر إليها من هذه الزاوية، وتحقيق الأمنيات التي كان يتطلع إليها الراحل البدلي، رحمه الله. مخطوطات لم تنشر جامعة الملك سعود كانت تتقدم نظيراتها في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بتدريسها 8 لغات حديثة ضمن برامج البكالوريوس في كلية اللغات والترجمة، من بينها الفارسية والعبرية إلى جانب تدريس اللغتين الإنجليزية والفرنسية اللتين بدأت بهما كمركز للغات الأوروبية والترجمة في كلية الآداب قبل حوالي أربعين عاما. ويقول الدكتور منصور الحازمي الذي رافق وزامل الدكتور البدلي من مراحل التعليم الأولى في مكةالمكرمة: نعم كنا زملاء في مدرسة دار الأيتام وتخرجنا سنة 1370، ثم المعهد العلمي السعودي بمكةالمكرمة سنة 1375، وأخيرا في مدرسة تحضير البعثات، ثم انتقلنا معا لجامعة القاهرة، وبعد البكالوريوس ابتعثت أنا إلى لندن، وهو -رحمه الله- إلى إيران، حيث كان أول سعودي ينال الدكتوراه في الأدب الفارسي عام 1966 عن رسالته (دور الشعر في الدعاية المذهبية في إيران من القرن الخامس إلى السابع الهجري)، التي للأسف ما زالت مخطوطة، لم تطبع أو تنشر مثلها مثل سواها من ترجمات الدكتور أحمد خالد التي لم تنشر ولعل من أشهرها رواية "البومة العمياء" للكاتب الإيراني صادق هدايت. وتذكر الحازمي شكوى الدكتور البدلي المريرة والدائمة من عدم الاهتمام باللغة والآداب الفارسية على المستوى الأكاديمي، وقال موضحا: لا بد من تفعيل دور الجامعة في التواصل الحضاري، إلى جانب المهمة الأساسية لها في توفير برامج تعليم اللغات الحية والترجمة، بما يدعم رؤية المسؤولين نحو تحقيق نهضة علمية تكون الترجمة فيها رافدا أساسيا من روافد المعرفة، ونافذة للتواصل مع ثقافات الشعوب وحضاراتها. أين يعمل الخريجون؟ الناقد الدكتور سعد البازعي قال: ليس في جامعاتنا أقسام للغة الفارسية، وليس لدينا عدد كاف ممن يتحدثون الفارسية أصلا لكي يترجموا ما ينشر في إيران، ولا شك أن هذا نقص فادح. الفارسية مثل العبرية تدرس في بعض الأقسام كلغات مساندة لدراسة اللغة العربية، وهذا مهم، لكنه لا يكفي وليس المطلوب هنا. وإذا كان هناك تحفظات على تدريس الفارسية والعبرية بدعوى عدم وجود وظائف حكومية لخريجيها، فالدكتور البازعي يرى أن: المكان الطبيعي للمتخصصين في هذه اللغات هي مراكز الأبحاث والترجمة، سواء في الخارجية أو الداخلية أو الجامعات أو غيرها. وكم اشتكى الدكتور البدلي، وهو أحد أساتذتي الذين أفدت منهم وأجلهم وإسهاماته معروفة، من هذه الغفلة العلمية دون جدوى. ويضيف البازعي: الفارسية من عائلة اللغات الهندو أوروبية، وهي من هذه الناحية أقرب للإنجليزية، لكن علاقتها الطويلة بالعربية جعلتها قريبة منها أيضا مفردات وكتابة.