في «صمت» رحل الدكتور أحمد بن خالد البدليّ -رحمه الله– يوم أمس الأول منتقلا إلى جوار ربه، بعد رحلة علمية، وسيرة عملية حافلة بالعطاء على عدة مستويات، يأتي في مقدمتها المستوى العلمي، إذ كان أول أكاديمي سعودي يحصل على رجة الدكتورة من الجمهورية الإيرانية في دراسته عن اللغة الفارسية، التي كان من البارعين فيها، إذ وصفه مجايلوه بالمتقن للفارسية والحاذق بها وبعلومها، ما جعل من حضور البدليّ على المستوى العملي من خلال عمله أكاديميا، له مكانته الريادية في مجال تخصصه، وفيما قدم من دراسات وأبحاث علمية خلال مسيرة علمية امتدت لأكثر من ثلاثة عقود بين مقاعد التدريس والبحث والتأليف، ما جعل من البدليّ قامة علمية وصاحب ريادة معرفية. وقد ترجم البدليّ قبل أربعين عاما كتابا لعلي أصغر شميم بعنوان :»إيران في العهد القاجاري» ونشره في مجلة المنهل 1389-88م مثلما ترجم «البومة العمياء» لصادق هدايت؛ ورحلة ناصر خسرو القادياني؛ ودرس ترجمات «الخيّام» إلى العربية، ورأس قسمي: الإعلام، واللغة العربية بكلية الآداب، وتولى وكالتها، وأدار معهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، كما أشرف على النشاط الرياضي بالجامعة - جامعة الملك سعود - إذ كانت مترجماته وأبحاثه العلمية على درجة من الرصانة العلمية، والجودة المنهجية البحثية، ما انعكس بدوره على ما كان يتميز به البدليّ في محاضراته في قاعات الدرس بالجامعة، وفي الأخرى على منابر الملتقيات والمؤتمرات العلمية، ما صنع له حضوره الخاص، ورونقه الشخصي فكرا وأسلوبا. من «إمضاء لذاكرة الوفاء» وقد جاء في كتاب «إمضاء لذاكرة الوفاء» للزميل الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن التركي، الصادر عن دار جداول، في حديثه عن البدلي في جانب ما يتمتع به من دماثة الخلق، وحس الطرفة، وأسلوبه الفكاهي ما أورد عنه التركي قوله: لو رصد القريبون منه «طرفه» لخرجنا منها بشخصية نادرة تفتح صفحة جديدة تضاف إلى كتاب «الثعالبي» 429-350 ه بعنوان «لطائف الظرفاء من طبقات الفضلاء» أما عن التفات «المجلة الثقافية» إليه كما درجت عليه عادة «ملفاتها» إلى رموز الثقافة ورواد الإبداع والكلمة، فقد أفردت المجلة للبدلي ملفا خاصا قبل عدة سنوات، حيث كان الملف بمناسبة تقاعده من الجامعة 2004-5-3م فقد حاز البدليّ «وسام الاستحقاق» من الدرجة الأولى، وكرّم في اثنينة عبدالمقصود خوجة، وقد كتبت «الثقافية» في افتتاحية الملف ما نجتزئ منه: «للدكتور أحمد البدليّ حق على الوسط الثقافي كبير، فقد عمل في التحرير والإشراف الثقافي، وأخلص لمحاضراته وبحوثه الأكاديمية الثقافية، وبقي لنا أن نذكره في يوم ترجله عن التدريس الجامعي، رمزا تقدم في تخصصه، وعاملا امتاز بصمته، وأستاذا بقي في أدواره - بعد التفرغ - أن ينشر كتبه وابحاثه». وفي هذا السياق - أيضا - ومن زاوية غياب الحضور للفقيد، فقد كان لدخوله في حالة أشبه بالعزلة عن الحضور المنبري، الآخر الكتابي، ما أثار استغراب العديد من مجايليه والمتابعين لرسمه وحرفه، لكونه شخصية لها من الحضور الثقافي، والعمق المعرفي، والتواجد الاجتماعي لما يتميز به البدلي من شخصية قريبة من كل من عرفه، ومحبوبا من زملائه وتلاميذه، إذ يقول عنه الزميل التركي: ها نحن نذكر (أبا مالك) بحقنا عليه، ونذكر أن له حقوقا علينا، يجوز أن ينتهي مشوار هذا الكبير بالصمت، وإن كنا نعرف أنه المرض، لكن غيره من الباحثين يعانون، ويعيش الشيخوخة، وفي الوسط مجايلون وشيوخ ما يزالون يعطون، ونتذكر أوراقه الفارسية التي كان ينشرها في «الجزيرة» عام 2000 م ونتمنى أن يساعده تلاميذه الأوفياء في إخراج بقية مخطوطاته وأوراقه، فركام النسيان لا يجوز أن يخلف وراءه رجلا يجمع على تقديره من عرفه، أو تتلمذ عليه.. الجحود فقد!. ومما جاء فيما قاله عنه أحد مجايليه على مقاعد الدراسة في مراحلها المبكرة ما كتبه عنه الدكتور محمد سعيد الشعفي: تمتد معرفتي بالأخ الصديق أبي مالك الدكتور أحمد خالد البدلي إلى أكثر من خمسين عاماً، إذ التقيت به في القسم الداخلي بجبل هندي، عندما التحقت بمدرسة تحضير البعثات، والتحق نفسه بالمعهد العلمي السعودي، وفي القسم الداخلي نشأت بيننا وبقية الإخوة الطلاب علاقات مودة، فالقسم الداخلي آنذاك يضم مئات الطلاب الوافدين من خارج مكةالمكرمة، الذين التحقوا إما بكلية الشريعة، أو بمدرسة تحضير البعثات، أو بالمعهد العلمي السعودي، وفي هذا القسم كنا نعيش كأسرة مترابطة، وبقيت علاقاتنا مع زملائنا قوية، حتى بعد أن تفرقت بنا السبل. عاشق البحث والترجمة أما عن عشق البدلي للتاريخ وحبه للآثار، فأورد الشعفي: شاركنا رحلاتنا الأولى التي كان يقوم بها قسم التاريخ لاكتشاف المواقع الأثرية والتاريخية في الفاو وفي العلا، وأخص بالذكر رحلتنا ا لتي قمنا بها 1389ه إلى كل من القصيم فحائل، فالعلا، فتيماء التي استغرقت حوالي خمسة عشر يوماً، قطعنا فيها الكثير من الفيافي والقفار، ومنها حرات هتيم التي أثرت تأثيراً كبيراً في إطار السيارات، حيث تعطل جزء كبير منها، مما اضطرنا - آنذاك - إلى أن نبقى في العشاش، لتي يرتاح فيها المسافرون في الطريق بين المدينةالمنورة وتيماء، وتقع من ناحية أخرى على الطريق العام عند المدخل المؤدي إلى مدينة العلا، وقد وقع الاختيار على أبي مالك بأن يأخذ تلك الإطارات إلى المدينةالمنورة لإصلاحها أو شراء غيرها إذا لزم الأمر. * * * «البدليّ» السيرة العلمية.. والمسيرة العملية الأستاذ الدكتور أحمد خالد بن حامد البدلي * ولد بمكةالمكرمة سنة 1354ه * نال الشهادة الابتدائية من دار الأيتام بمكةالمكرمة سنة 1370ه * نال شهادة المعهد العلمي السعودي بمكةالمكرمة سنة 1375ه * نال الشهادة الجامعية (ليسانس) من كلية الآداب/ جامعة القاهرة/ قسم اللغة العربية، بتقدير جيد جداً عام 1379ه . * عُيِّن معيداً بقسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب جامعة الملك سعود عام 1380ه * ابتعث سنة 1381ه إلى لندن للحصول على درجة الدكتوراه في اللغة الفارسية وآدابها في مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن. * حصل على درجة الدكتوراه في الأدب والحضارة الفارسية من جامعة طهران (إيران) عام 1386ه، وكان عنوان الرسالة بالفارسية: (دور الشعر الفارسي في الدعاية المذهبية في إيران من القرن الخامس إلى القرن السابع الهجري.) * عُيِّن مدرساً للغة الفارسية وآدابها بقسم اللغة العربية/ كلية الآداب/ جامعة الملك سعود في 23-2-1386ه. * رُقِّي إلى درجة الأستاذية في 12-9-1399ه. النشاط العلمي * ترجم كتاب (إيران في العهد التجاري) من الفارسية إلى العربية، ونُشرت الترجمة في مجلة «المنهل» منجَّمة من عام 1388ه حتى عام 1389ه (لازال الكتاب مخطوطاً) * ترجم قصة (البومة العمياء) للكاتب الإيراني الشهير صادق هدايت من الفارسية إلى العربية (لازالت مخطوطة).) * ترجم رحلة ناصر خِسْرو القبادياني من الفارسية إلى العربية، وطبعت ضمن نشريات جامعة الملك سعود عام 1402ه * ألَّف كتاب «دراسة بعض الترجمات العربية لرباعيات الخيام» (لازال مخطوطاً) * عُيِّن محرراً للصفحة الأدبية بجريدة «الجزيرة» التي كانت تصدر أسبوعية «كل ثلاثاء» بالرياض من عام 1389ه حتى عام 1390ه النشاط الإداري * أول رئيس لقسم الإعلام بكلية الآداب/ جامعة الملك سعود/ عندما أنشئ ذلك القسم عام 1392ه * تولَّى رئاسة قسم اللغة العربية من عام 1393ه حتى عام 1395ه * وكيلاً لكلية الآداب من عام 1395ه حتى عام 1396ه * رئيساً عاماً للنشاط الرياضي بالجامعة * كان عضواً في اللجنة الأولمبية السعودية حتى عام 1398ه * عين مديراً لمعهد اللغة العربية لغير الناطقين بها من 1402ه حتى 1405ه * حصل على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى عام 1402ه