في الوقت الذي تضيّق القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني الخناقَ على آخر معقل لتنظيم داعش في سرت، منذ بدء عملياتها المسماة ب"البنيان المرصوص" في مايو الماضي، باتت المدينة أشبه بمدينة أشباح، لا يسمع فيها سوى أزيز الرصاص وأصوات المدافع، وسط ركام المباني المهدمة جراء النزاع القائم بين المسلحين. وبسقوط سرت فإن "داعش" سيتلقى ضربة موجعة له، خصوصا مع انحسار تمدده في العراق، جراء عملية طرده من آخر معقل له هناك، وإجباره للهرب عبر الصحاري نحو الأراضي السورية، إذ تتبقى له الحاضنة الوحيدة هناك، وهي مدينة الرقة. وفيما تتوالى الضربات الجوية التي تشنها القوات الأميركية على التنظيم في سرت، فضلا عن تقدم قوات حكومة الوفاق على الأرض، يرفض عناصر التنظيم الاستسلام، ويواصلون القتال في حرب باتت أشبه بحروب العصابات بين حي وآخر. تكثيف الضربات نقلت مصادر إعلامية عن القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا، أن الضربات الجوية زادت خلال هذا الشهر ضد مواقع المتطرفين في سرت التي تقع بين العاصمة طرابلس وبنغازي، إذ وصلت إلى نحو 342 غارة جوية، تضمنت غارات بطائرات دون طيار وهجمات من مقاتلات عبر سفن بحرية، وقصف بمروحيات كانت متمركزة عبر مقاتلات بحرية على السواحل الليبية. كما أعلنت القيادة أن عمليات قصف المتطرفين خلال الشهر الجاري فقط، فاقت عدد الهجمات التي يشنها التحالف الدولي ضد "داعش" في سورية والعراق معا، وذلك بالإسناد الأرضي من المقاتلين الحكوميين. عدد محدود يؤكد خبراء عسكريون غربيون أن منع وصول التنظيمات المتشددة من إنشاء دولة تهدد الأمن والسلم العالمي، هو أكبر الدروس المستفادة من هجمات 11 سبتمبر، إذ إن التنظيم المتطرف يستغل الظروف التي تمر بها البلاد من انقسامات سياسية وانتشار فوضى السلاح، للتمركز وإنشاء دولة متطرفة تهدد أمن أوروبا وتنشر الفوضى في المنطقة. وبحسب تقارير غربية، فإن مقاتلي التنظيم المتبقين في المدينة لا يتجاوزون 100 عنصر، معظم يتركزون حول 3 أحياء، الأمر الذي يزيد فرص القضاء على التنظيم في كل أرجاء البلاد، في وقت باتت الأوضاع الليبية تهدد الأمن القومي لدول الجوار مثل تونس والجزائر ومصر، فضلا عن أمن المتوسط برمته.