لا شك أن القائد غير الكفء يعد المادة الخام لصناعة الهدر الإداري والمالي بكل مساوئه وأضراره، فهو بيئة خصبة لنمو أسلوب القيادة بالتجسس، نتيجة ما يتسم به من ضعف وعدم ثقة بنفسه وبالآخرين، وما يترتب على ذلك من سوء اختيار المحطين به واستعمالهم كأذرع للصد والدفاع عنه، وتغطية مساوئه الإدارية مقابل محفزات مالية وأخرى إدارية لاستمرارهم، فضلاً عن عدم جدارته بالمنصب الذي تولى مسؤوليته، لذا أحث نفسي والآخرين من المهتمين والكتاب بالسعي إلى القضاء على هذه الممارسات المدمرة لكل جهود التنمية والإصلاح الإداري، بما يواكب المتغيرات، ويحقق الغايات وفق (رؤية المملكة العربية السعوديّة 2030). إن العنصر البشري يأتي على رأس قائمة إمكانات المنظمات والمنشآت، فهو حجز الزاوية لنجاح المنظمة، ومن ثم فإن تحقيق الرضا لهذا العنصر يعني قيادة إدارية ناجحة، استطاعت أن تؤدي المطلوب منها على أكمل وجه. فالحصول على أفضل ما لدى الأفراد من جهود وأفكار، يتطلب مناخا وظيفيا يتسم بالصدق والعدالة في المعاملة مع وبين العاملين. والاختيار المناسب للكوادر البشرية وفق قدراتهم وإمكاناتهم الشخصية والمهارية وفق ما يناسبها من مناصب إدارية دون تهميش أو تجاهل للأكفأ والمتميزين ومن لديهم الحس الإبداعي والانتمائي لها، وليس على وشايات من بعض العاملين الذين يجدون في التجسس على زملائهم ونقل أخبارهم للقيادات قربانا، أو يترك لهؤلاء التقييم والرأي والمشورة، أو بنقل صورة خاطئة غالبا للقادة، حيث تتداخل فيها رغباتهم الشخصية وأطماعهم وأهوائهم بتقريب من يرغبون ليكون محققا لهم ما يرغبون. إن مثل هذه السلوكيات تؤدي إلى الفرقة والانقسام بين العاملين، وفقد الثقة، وانتشار التشاحن والبغضاء، حتى يصل الأمر إلى انهيار كل القيم الإيجابية المراد ترسيخها في نفوس العاملين، وعلى رأسها أخلاقيات العمل، والنتيجة الحتمية لكل ذلك.. انهيار المنظمة ككل، مما له أبلغ الأثر على مسيرة التنمية داخل المجتمع، والذي تلعب المنشآت والمؤسسات التربوية والإدارية دورا كبيرا في تقدمه ورخائه الاقتصادي والثقافي، ومن ثم تنمية كافة قطاعاته. إن القائد الكفء يؤثر بشخصيته بما يمتلكه من مهارات قيادية وليس بسلطته، وما أسهل التهديد بالعقاب، سواء كان بتقرير ضعيف في تقييم الأداء، أو بتوقيع جزاء أو بالنقل أو حرمان من محفزات وغير ذلك. فأنت إن هددت الموظف، سيعمل فعلا، ولكن بأقل جهد ممكن ينجيه من عقابك. أما إن فهمت شخصيته، حاجاته، ميوله، وتوقعاته، وعملت على التوافق معها فعاملته بما يناسبه، وهيأت له العمل المتناسب مع ميوله واحترامه، فسيبذل قصارى جهده ليبدع ويرضى الجميع، حتى لو لم يتوفر الحافز المالي المناسب. ومن هنا على القائد أن يكون ذكيا، فهو يدير عاملين يختلفون في المؤهل والخلفية الثقافية والمهنية، وفي السن، والخبرة، والقيم الشخصية، والتوقعات، ومن ثم السلوكيات. وإدارة هذا المزيج من الناس في مواقف عمل متباينة سيعا لتحقيق أهداف مخططة في بيئة تحفل بقيود أو فرص، مسألة ليست سهلة.