قبل عقد من الزمن كان الفن هو ذلك الغناء الذي يطرب ويمتع ويبهج النفس في وجود عمالقة الفن آنذاك، أمثال طلال مداح ومحمد عبده وخالد عبدالرحمن وعبادي الجوهر وغيرهم من فناني الطرب الأصيل، أما الآن فقد ظهر لنا فن آخر وبشكل مختلف وهو ما يسمى ب"الشيلات" التي تعتبر في جوهرها غناء طربيا يبهج النفس وبنفس الأثر الذي تتركه الأغاني الموسيقية. هذه الشيلات وجدت قبولا اجتماعيا كبيرا وملفتا، حيث أصبح المجتمع الذي كان يرفض الموسيقى والفن بشكل عام يطرب ويتراقص على هذه الشيلات، وهو الأمر الذي كان إلى وقت قريب يصنف ضمن "خوارم المروءة". في الحقيقة أن المجتمع تغيرت قناعاته وفكره فيما يخص الفن مع ظهور الشيلات، بل إنه تحايل على تلك القناعات المتأصلة لديه، ليبتكر وسيلة أخرى تقوده للاستمتاع بالفن. لذلك قد حسم المجتمع خياره وصنع فنا يرضي جميع الأطراف! ويفسر أن هناك تنوعا ثقافيا تتعدد فيه الأصوات والأذواق، ويرقص على أنغامه حتى كبار السن. فن مهم كان رأيك الجمالي فيه وفي كلماته وألحانه، إلا أنه يبقى وسيلة اختارها الناس ردا على إقصاء الأغاني. لذلك قد يكون من الجميل الترفيه عن النفس بسماع الجيد منها، أو التغني به لولا المواقف والمقاطع التي تحتويها، وتستثير العنصرية القبلية، وتوقظها من غفوتها. أما التمسك بالعادات المحلية، وجعل القبيلة هي السند والعون للشخص نفسه، والافتخار بالمنشأ والنسب، هي من الأمور الإيجابية ما لم تطغ، وتتعد حدود المعقول، فتُلغي الوطنية، والوحدة في وقت نحن في أمسِّ الحاجة فيه إليهما في ظل ما يعيشه العالم من أزمات وحروب. وفي نهاية المطاف ليست المشكلة في الشيلات بصفتها فنا مستحدثا، ولكننا في حاجة إلى فرض قيود، أو معايير للمحتوى حتى لا نقع في مأزق العنصرية و"الهياط".