لا أحد ينكر الأثر السلبي الذي خلَّفته البرامج والمسابقات الشعرية على فكر، وسلوكيات، واتجاهات الأفراد والمجتمعات المختلفة لدينا من خلال الجنوح إلى القبليات، والعصبيات لاستنهاض العاطفة العنصرية، والحصول على أكبر عدد من الأصوات. ولم نصدق أن ذاك الكابوس زاح عنا، واستحال بالونة، فقدت كل الهواء الذي جمعته حتى بدأت ظاهرة الشيلات بنفخ تلك البالونات من جديد بكل ما هو فارغ وعنصري وسلبي. الشعر الحماسي منذ القدم وهو يؤجج نار العنصرية، والفوقية، والتفرقة بين جماعات وقبائل المجتمع الواحد، وحين يتم تمجيد قصائد من هذ النوع، والتغني بها ضمن شيلات، أو أناشيد، فإن الحماس الداخلي يزداد، وبالتالي نكون أمام حلقات جديدة من مسلسل «الهياط» الاجتماعي، والخواء الفكري والثقافي. وبعيداً عن الحكم الشرعي لتلك الشيلات، ومسألة إيقافها، قد يكون من الجميل الترفيه عن النفس بسماع الجيد منها، أو التغني به لولا المواقف والمقاطع التي تحتويها، وتستثير العنصرية القبلية، وتوقظها من غفوتها. القبلية، والتمسك بالعادات المحلية، وجعل القبيلة هي السند والعون للشخص نفسه، والافتخار بالمنشأ والنسب، هي من الأمور الإيجابية ما لم تطغى، وتتعدى حدود المعقول، فتُلغي الوطنية، والوحدة في وقت نحن في أمسِّ الحاجة فيه إليهما في ظل ما يعيشه العالم من أزمات وحروب. لم تكن المشكلة في الشعر حين لمسنا سلبيات المسابقات الشعرية، وكذلك الآن، ليست المشكلة في الشيلات بصفتها فناً مستحدثاً، ولكننا في حاجة إلى فرض قيود، أو معايير للمضمون حتى لا نقع في مأزق العنصرية و«الهياط» القبلي.