عقب حادث التفجير في حي الكرادة ببغداد الأسبوع الماضي والذي راح ضحيته المئات، لم تحرك الحكومة العراقية ساكنا بخصوص تفعيل الإجراءات القضائية بحق مسؤولين كانوا وراء تفشي الإرهاب، وسيطرة تنظيم داعش على محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار في يونيو عام 2014، في مقدمتهم رئيس الحكومة السابقة نوري المالكي بوصفه كان القائد العام للقوات المسلحة، وعدد من كبار القادة العسكريين، بالمقابل وفي سابقة لم تعرفها الساحة العراقية أعلن وزير الداخلية سالم محمد الغبان تقديم استقالته، فيما أسند رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي المنصب ب"الوكالة" لوكيل الوزارة للشؤون الإدارية والمالية عقيل الخزعلي- القيادي في حزب الدعوة الإسلامية بزعامة المالكي- وهو ما وصفته وسائل إعلام محلية بأنه يمنح الفرصة للمالكي لإحكام سيطرته على وزارة الداخلية وقوات الأمن بالعراق.
استجواب الحكومة في إطار التحرك البرلماني لمعالجة تردي الأوضاع الأمنية بالعراق أعدت لجنة الأمن والدفاع النيابية تقريرا يتضمن عدة نقاط تعتزم طرحه في جلسة البرلمان في 12 من الشهر الجاري لغرض المصادقة عليه وإلزام الحكومة بتنفيذ فقراته. وتضمن التقرير تقديم طلب لاستجواب رئيس الحكومة ومساعديه من كبار القادة والضباط، مطالبا بتفعيل الجهد الاستخباري وإلغاء نقاط التفتيش في العاصمة، كذلك تفعيل الإجراءات القضائية ضد المسؤولين السابقين والحاليين عن إدارة الملف الأمني ، في إشارة إلى رئيس الحكومة السابقة نوري المالكي، بوصفه المسؤول الأول عن سقوط ثلاث محافظات في قبضة تنظيم داعش عام 2014.
محاسبة المقصرين جدد حادث تفجير الكرادة مطالبة أوساط شعبية وجهات دينية بمحاسبة المسؤولين المقصرين في إدارة الملف الأمني، وقال الشيخ أحمد الصافي، في كلمة له أمام حشد من المواطنين في موقع تفجير الكرادة، إن "على مسؤولي الدولة أن يكونوا حازمين لا أن يشاهدوا الانفلات الأمني وأحدهم يرمي المسؤولية على الآخر"، وأضاف أن "أصواتنا قد بحت من كثرة الكلام معهم إلى أن وصل الحال إلى هذا الانفلات، ولا بد أن تقوم الدولة بمحاسبة جميع المقصرين وملاحقة الفاسدين وإعطاء جدية للجان التحقيق"، مشيرا إلى أن "الفساد هو الآفة الكبيرة التي أوصلتنا إلى هذه الأوضاع".
الدعوة لخطة جديدة دعا الشيخ إبراهيم الطه، الحكومة العراقية إلى بذل أقصى جهودها لحفظ الأمن، مشددا على ضرورة اعتماد خطة أمنية جديدة لمنع شن هجمات محتملة، وحصر السلاح بيد الدولة، كذلك ملاحقة الجماعات التي تثير الفتنة بين العراقيين. كما طالب الشيخ محمود العبيدي بتوحيد كلمة العراقيين للحفاظ على امن بلدهم، ونبذ الفكر المتطرف، وقال "إن الحد من أنشطة الجماعات الإرهابية يتطلب توعية فكرية وثقافية تشارك فيها منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية والتربوية الرسمية بهدف توطيد السلم الأهلي، والحفاظ على وحدة المجتمع".
محاسبة المقصرين شدد زعيم المجلس الأعلى الإسلامي في العراق عمار الحكيم، على تعيين شخصيات مهنية في المناصب الأمنية، ومحاسبة المسؤولين عن تدهور الأوضاع الأمنية، فيما طالب الشيخ جواد الخالصي ببناء منظومة أمنية مستقلة ومهنية تحمي العراق من الميليشيات الطائفية والجماعات الإرهابية.
الحشد الشعبي اعتاد العراقيون على رؤية صورة قاسم سليماني قائد فيلق القدس المنتشرة في العاصمة بغدادومحافظات الجنوب والوسط، وبحسب مصادر فإن وجود المسؤول الإيراني في العراق يأتي في إطار استعانة الحكومة بمستشارين أجانب لمحاربة تنظيم داعش، فيما يرى المحلل السياسي خالد الجنابي أن نفوذ إيران تزايد في العراق على المستويين الرسمي والشعبي وتمظهر بالشكل العسكري. هذا المظهر- وفقا للجنابي- رسخ القناعة لدى أغلب القوى السياسية بأن إيران وسعت تمددها، ورسخت وجودها بوقوفها وراء دعم وإسناد فصائل مسلحة انضمت إلى الحشد الشعبي، نتيجة انهيار الجيش العراقي وسيطرة التنظيم على بعض المحافظات. وقال إن ظهور سليماني العلني في العراق يستهدف توجيه رسالة إلى المحيط الإقليمي والدولي والولايات المتحدة بأن إيران حاضرة في العراق لمحاربة الإرهاب وهي الأجدر في إدارة الحرب ضده، لأن التحالف بقيادة واشنطن بطائراته وقدراته عجز عن حماية الشعب العراقي من الجماعات الإرهابية.
برنامج المصالحة مشكلة اضطراب الأوضاع الأمنية في العراق جاءت نتاج عملية سياسية مختلة بعد الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، فاندلعت تظاهرات احتجاجية منذ يوليو الماضي تطالب بالإصلاح الحقيقي، إثر ذلك تبنى حيدر العبادي خطوات إصلاحية بمزاعم تلبية مطالب المتظاهرين، وترى أطراف عراقية مشاركة في الحكومة إمكانية الخروج من الأزمة السياسية وضمان استقرار الأوضاع الأمنية عبر تفعيل برنامج المصالحة الوطنية، وحل المليشيات، وتطبيق برنامج الحكومة، وتحميل أطرافها مسؤولياتها واستحقاقاتها الوطنية والتصدي للإرهاب. بدوره، قال عضو مجلس النواب محمد الحلبوسي، إن "المليشيات متورطة بارتكاب جرائم بحق أبناء المكون السني في محافظات ديالى وصلاح الدين وبابل والعاصمة بغداد"، موضحا أن "منظمات دولية معنية بحقوق الإنسان أكدت تعرض المدنيين إلى انتهاكات ارتكبتها ميليشيات طائفية"، محملا العبادي وسلفه نوري المالكي مسؤولية جر البلاد إلى منزلق خطير، مشيرا إلى أن المالكي أكثر من يتحمل المسؤولية، والفشل في إدارة الأمور والذي ما زال تأثيره واضحا على صاحب القرار ورئيس الحكومة الحالية. وحذر عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، ماجد الغراوي، من تفاقم الأزمة السياسية وانعكاسها على الأوضاع الأمنية، وقال "نحن أمام مفترق طرق لأن الحكومة الحالية جعلت المواطن البسيط الأعزل فريسة لإرهاب دموي بشع فأخذ الموت يحصد المواطنين"، مبينا أن ما يحصل حاليا ليس وليد اليوم بل هو محصلة لتراكمات امتدت لأعوام عدة بسبب سوء الإدارة وانعدام الرؤية والمصالح الضيقة وعدم محاسبة المقصرين والمفسدين والمتسببين في هذه الحالة المزرية التي وصل إليها العراق".
رصد الضحايا تتجاهل الجهات الرسمية إعلان أعداد القتلى والجرحى جراء تفجير سيارات ملغمة وعبوات ناسفة أو نتيجة أعمال العنف التي تصاعدت في الآونة الأخيرة بالعراق، وتلخصت في العثور على جثث مجهولة الهوية، وطبقا لبيانات نشرتها وسائل إعلام محلية، سجل النصف الأول من عام 2016 الجاري مقتل 7128 مدنياً في البلاد، وكان شهر يناير الأكثر دموية بعد أن سُجل مقتل1407 مدنياً، تلاه شهر مايو ب1261 قتيلا، فيما تقاربت أعداد الضحايا لأشهر فبراير ومارس وأبريل ويونيو. وخلال اليومين الأولين من شهر يوليو الجاري قتل 112 مدنياً، وأعدم تنظيم داعش 201 مدني في المناطق التي يسيطر عليها من مجموع الضحايا الكلي 7128 مدنياً، في الوقت الذي قتل 63 مدنياً في المناطق التي شهدت عمليات عسكرية، وكانت أكبر نسبة من الضحايا قد سجلت بسبب التفجيرات بنسبة 91% وبعدها الاغتيالات بنسبة 5.4%. ولم يذكر التقرير حصيلة تفجير الكرادة.
حلول غائبة منذ تسلمه رئاسة مجلس الوزراء أعلن حيدر العبادي أن تحسين الملف الأمني يعد واحدا من أهم بنود برنامج حكومته، وفي هذا السياق قال الخبير الأمني جاسم محمد، إن وزير الداخلية السابق محمد الغبان أصدر في ديسمبر عام 2014 أوامر بتوقيف آمر فوج طوارئ بغداد العقيد رياض عبد الحسين وضباط آخرين بعد تورطهم في ظاهرة "الفضائيين" أو عناصر الشرطة الوهميين الذين يتقاضون رواتب يحصل القادة الفاسدين على جزء كبير منها، وتكلف الدولة العراقية مليارات الدنانير شهريا، كذلك توقيف عدد المسؤولين في قضايا فساد أخرى. وكان العبادي قد كشف عن وجود 50 ألف جندي وهمي في أربع فرق عسكرية تابعة لوزارة الدفاع و70 ألفا في الداخلية، في خطوة جديدة في إطار مكافحة الفساد التي يجريها في المؤسسة العسكرية منذ توليه المنصب واعتبر الفساد في المؤسسة الأمنية هو الأخطر، لكن الإجراءات لم تأخذ طريقها إلى التنفيذ.
جرائم الحكومة السابقة قوى سياسية وأوساط شعبية شددت على إحالة رئيس الحكومة السابقة نوري المالكي إلى القضاء بوصفه المسؤول الأول عن تسليم ثلث مساحة العراق إلى تنظيم داعش، ويعد التحالف الكردستاني أول من طالب بإحالة المالكي للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بدلا من المحاكم العراقية غير القادرة على محاكمة المالكي لأسباب ذاتية وموضوعية. وفي هذا السياق، يرى الباحث داود البصري، أن الاتهامات ضد المالكي واسعة ومفتوحة وتبدأ بعمليات السلب والنهب والفساد في المؤسستين الأمنية والعسكرية، وتتواصل مع اضطهاد وقتل المحتجين السلميين بطريقة بشعة في ساحات الاعتصام السلمية في الحويجة وغيرها، ولا تنتهي عند جريمة حكومته الكبرى ومسؤوليته المباشرة عن ضياع مدينة الموصل بيد تنظيم داعش ودماء آلاف الشباب العراقي الذين زج بهم في مواقع غير آمنة، ولم تستطع الدولة حمايتهم، وباعتباره كان يشغل منصب القائد العام للقوات المسلحة، وما حدث يدخل ضمن مسؤولياته القيادية المباشرة". وأوضح أن ملف الاتهام ضد المالكي يضم أيضا مسؤوليته المباشرة عن تفجير السفارة العراقية في بيروت الغربية عام 1981، ومصرع عشرات المدنيين، إضافة إلى ملفات أعمال الإرهاب الإيرانية المنفذة بأدوات وعناصر حزب الدعوة الإسلامية ضد أهداف أميركية وكويتية في الكويت عام 1983، وكذلك دوره في المحاولة الأثيمة لاغتيال أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد.
تكرار المطالبات على مدى الأشهر الماضية شهدت الساحة السياسية مطالبات بمحاكمة المالكي، فطالب الأمين العام لحركة الوفاق الإسلامي الشيخ جمال الوكيل، رئيس الوزراء حيدر العبادي بتشكيل لجنة تحقيقية لفتح ملف لإدانة المالكي بارتكابه جرائم بحق العراقيين، وقال في تصريح صحفي إن: "جميع العراقيين ينتظرون بشغف من العبادي إنصافهم وتقديم المالكي للقضاء كونه مجرما، وبسببه حصل العديد من الإبادات الجماعية للعوائل، وما زالت مستمرة"، داعيا إلى تشكيل لجنة تحقيقية بخصوص إجراءات المالكي بوصفه يتحمل مسؤولية دخول التنظيمات المسلحة إلى العراق وقضية تسليم الموصل بيد التنظيمات المسلحة ومقتل آلاف المواطنين في معسكر سبايكر.
مراقبة الأجهزة الأمنية أشار الخبير جاسم محمد إلى أن الدستور العراقي نص على مراقبة الأجهزة الأمنية، وأن المادة 9 من الدستور نصت على أن تتكون القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية من مكونات الشعب العراقي، وتخضع لقيادة السلطة المدنية ولا دور لها في تداول السلطة، وتدافع عن العراق ولا تكون أداة لقمع الشعب العراقي، ولا تتدخل في الشؤون السياسية، ويحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة، ولا يجوز للقوات المسلحة العراقية وأفرادها الترشيح في الانتخابات، ولا يجوز لهم القيام بحملات انتخابية لصالح مرشحين فيها". ولفت إلى وجود أكثر من مؤسسة أمنية تتضمن: جهاز المخابرات الوطني وهو مرتبط برئيس الحكومة ويخضع لرقابة البرلمان، ومديرية الاستخبارات العسكرية، وزارة الدفاع، وكالة التحقيقات الوطنية بوزارة الداخلية، المديرية العامة للأمن والاستخبارات. ويرى مراقبون أن العراق يمتلك عددا من الوكالات الأمنية والاستخبارية، لكن الانتقادات التي توجه إلى هذه المؤسسات بعدم وجود تنسيق بين هذه المؤسسات يمكنها من التعاون في تعقب المعلومات والأشخاص والمنشآت، فضلا عن مشكلة التسييس والفساد وعدم كفاءة البعض، وهذا ما يجعلها غير فاعلة على الأرض، يضاف إلى ذلك تشكيل الحشد الشعبي الذي انضمت إليه ميليشيات مرتبطة بجهات سياسية.
إخفاء التحقيقات اتهم رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية حاكم الزاملي مجلس القضاء الأعلى والحكومة بالتستر والتغطية على ملف التحقيق الخاص بسقوط مدينة الموصل مركز محافظة نينوى. وقال في تصريح صحفي إن "لجنة سقوط الموصل أنجزت تقريرها الخاص بالتحقيق في سقوط المدينة، إلا أنه تمت تغطية الملف والتستر عليه من قبل مجلس القضاء الأعلى والحكومة، لافتا إلى أن أسباب التستر تعود لإدانة القائد العام للقوات المسلحة حينذاك رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وكبار القادة الأمنيين وعدد من قادة البيشمركة والقنصل التركي ومحافظ نينوى السابق، علاوة على احتوائه على 23 ملف فساد، مشددا على أن اللجنة ستعمل خلال الفصل التشريعي الجديد على متابعة الملف والتوصل إلى النتائج النهائية.
امتصاص الغضب الشعبي استبعد الخبير القضائي عادل السعدون تفعيل دور القضاء في الرحلة الراهنة وخاصة في ما يتعلق بالمتورطين باستيراد جهاز كشف المتفجرات، عازيا الأسباب إلى حصول أحزاب متنفذة على مبالغ بملايين الدولارات جراء توقيع العقد. وقال إن "دعوة العبادي لإعادة التحقيق مع المسؤولين على استيراد جهاز الكشف عن المتفجرات محاولة لامتصاص الغضب الشعبي جراء تفجير الكرادة"، مشيرا إلى أن مئات اللجان التحقيقية شكلت سابقا بينما لم تعلن النتائج حيث خضعت للتسويف والمماطلة. وذكر أن أبرز الشخصيات المتورطة نوري المالكي، ووزير الداخلية الأسبق جواد البولاني عضو مجلس النواب في الدورة الحالية، ووكيل وزارة الداخلية الأسبق عدنان الأسدي القيادي في حزب الدعوة النائب الحالي عن ائتلاف دولة القانون.