كان انتحار الشاب محمد البوعزيزي في نهاية العام 2010، سببا في اشتعال الثورة بتونس عام 2011، وإنهاء حكم زين العابدين بن علي، غير أن مجريات الأحداث بعد هذا التاريخ أثبتت أن هذه الثورة لم تنجح في القضاء على الفساد بما خلفه من تعقيدات كثيرة، من بينها تصاعد أزمة البطالة، وغياب أسباب الحياة الكريمة، خاصة في المناطق الداخلية للبلاد، والتي تسببت في النهاية في تكرار حالات الانتحار بين الشباب، وجعلت تونس تحتل المركز الثاني في هذه الظاهرة على الصعيد العالمي. وبينما شهدت مدينة القيروان آخر حالة انتحار لشاب يبلغ 28 عاما احتجاجا على البطالة، وعدم حصوله على فرصة عمل رغم حصوله على مؤهل عال، كشف المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عن ارتفاع حالات الانتحار في شهر أبريل مقارنة بشهر مارس الماضيين برصد 43 حالة. وشملت الدراسة كل الشرائح العمرية من بينها خمس حالات انتحار لصغار السن، إلى جانب الفئة العمرية 26 - 35 سنة، التي حافظت على الصدارة من حيث عدد حالات ومحاولات الانتحار. الجنوب الأكثر معاناة حسب التوزيع الجغرافي، سجلت محافظة قفصة بالجنوب التونسي أكبر عدد حالات ومحاولات الانتحار المرصودة، تلتها ولاية بن عروس بالشمال، وجاءت أغلب الحالات المرصودة من القادمين من مناطق الجنوب التونسي والمطالبين بالعمل والاستثمار الداخلي. ومن حيث الإخطارات بحالات الانتحار، ذكرت تقارير مندوب حماية الطفولة بأن محافظة صفاقس بأقصى الوسط تحتل المرتبة الأولى وذلك ب34 حالة تليها كل من ولايتي بنزرت وباجة بحوالي 18 حالة لكل منهما. كما شهدت تونس خلال الفترة الأخيرة محاولات انتحار جماعية، رفضا للواقع المعيشي، سبقتها احتجاجات اجتماعية حيث تم تسجيل 987 تحركا اجتماعيا في شهر أبريل الماضي خاصة في القطاعات التربوية والإدارية الاجتماعية والأمنية والاقتصادية. انتحار الأطفال استفحلت ظاهرة انتحار الأطفال بشكل خطير، وهو ما تؤكده إحصاءات رسمية، حيث ارتفعت حالات أو محاولات الانتحار في عام 2015 بأكثر من 40 % مقارنة بعام 2014. وأشارت وزيرة المرأة والأسرة والطفولة سميرة مرعي خلال جلسة عامة بمجلس نواب الشعب، إلى أن نزوع الأطفال للانتحار يعبر عن حالة اليأس والإحباط التي تعيشها عائلاتهم، جراء الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي، وعن إحساسهم بأنهم يمثلون عبئا على أسرهم، مشيرة إلى أن الوزارة وضعت استراتيجية تشرف على تنفيذها وزارة الصحة، مع تعيين خلايا أزمة بكل ولاية تضم كل الوزارات المعنية بهذه الظاهرة. أسباب قاهرة ووفقا للدراسات فإن ظاهرة الانتحار تزداد شيوعا في تونس بسبب انعدام فرص العمل، وفقر السياسيات التنموية، وغياب الحافز والتواصل الإنساني بين مكونات المجتمع، خاصة مع الأطفال الذين يعانون من حالة اكتئاب، بالإضافة إلى غياب الحوار في المدارس. كما تربط منظمات حقوقية واجتماعية بين ارتفاع نسبة الانتحار، وتدني حظوظ التنمية والظروف الاجتماعية، خاصة في المناطق التي تشهد حركات احتجاجية، من أجل مطالب التشغيل والماء وتحسين ظروف العيش، فضلا عن تراجع الوضع الأمني والاقتصادي للبلاد. الوطن العربي كشف تقرير لمنظمة الصحة العالمية حمل عنوان "منع الانتحار... ضرورة عالمية"، أن نسبة الانتحار وصلت في الوطن العربي خلال آخر 10 سنوات إلى أربعة أشخاص لكل مئة ألف نسمة، وبلغت تحديدا في تونس 2.4%. وأضافت منظمة الصحة العالمية أن من بين الأساليب التي يلجأ إليها المنتحرون يحتل الشنق المرتبة الأولى بنسبة 50 % من حالات الانتحار، بينما تأتي الأسلحة النارية في المرتبة الثانية بنسبة 18 %.