تواجه باكستان مشكلات أمنية كثيرة وعميقة تؤثر عليها كما تؤثر على وضع المنطقة من جانب آخر، ويرجع ذلك إلى أن طبيعة تلك المشكلات لا تؤثر على شريحة اجتماعية باكستانية معينة بقدر ما تؤثر على وضع الدولة الباكستانية ككل، كذلك شكل التفاعلات الخاصة بها مع دول الجوار، لا سيما بعد استفحال العمليات الإرهابية داخلها، فضلا عن انتشار عدد من التنظيمات المتطرفة في بعض المناطق، والذي ينبئ باستفحال خطرها في المستقبل. وحسب تقارير فإن باكستان تمر بأحرج مرحلة في تاريخها منذ أن تأسست عام 1947، وأنها الآن تحصد ثمن تورطها في الحرب الأفغانية الأولى "-1979 1988"، وكذلك الثانية، حيث شكلت المخابرات العسكرية، حركة طالبان ومكنتها من السيطرة على أفغانستان "1996-2001"، وهو ما أدى إلى مضاعفات خطيرة. وقالت التقارير إن رئيس حركة طالبان الملا محمد عمر، أوعز إلى زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وكبار قياداته، باللجوء إلى أفغانستان والاحتماء بالحركة، على الرغم من قرارات الأممالمتحدة التي طلبت في البداية من طالبان تسليم أسامة بن لادن إثر الهجوم الانتحاري الذي قام به تنظيم القاعدة في 7 أغسطس 1998 على سفارتي الولاياتالمتحدة في تنزانيا وكينيا في آن واحد مما أدى إلى مقتل أكثر من 200 شخص. وأضافت أن المؤسسة العسكرية كانت آنذاك تتبع سياسة إحكام سيطرتها على أفغانستان من خلال طالبان لتكون العمق الإستراتيجي لباكستان، مشيرة إلى أن هذه السياسة فشلت بعد أحداث تنزانيا وكينيا، وما تلاهما من هجمات 11 سبتمبر 2001. وحسب التقارير فإنه منذ الغزو الأميركي لأفغانستان وحتى الوقت الحالي وأجهزة المخابرات في أفغانستانوالهند تنتهج سياسة "المعاملة بالمثل"، وهو ما أدى إلى قلب الإستراتيجية الباكستانية رأساً على عقب، موضحة أن الاستراتيجية الجديدة تقوم على نقل المعركة إلى العمق الباكستاني، وجعل باكستان عمقا إستراتيجيا لكل من أفغانستانوالهند، وهو ما سمح للمنظمات المتشددة المختلفة والمتعاونة مع تنظيم القاعدة بالانتشار بشكل واسع النطاق في منطقة القبائل الباكستانية وإقليم خيبر بختونخواه وبلوشستان والسند، ولم يسلم منها إلا إقليم البنجاب. وفي هذا السياق، قالت التقارير إن الحكومة الباكستانية لكي تحكم سيطرتها على إقليم البنجاب أبرمت اتفاقية مع المنظمات المتشددة تقوم على عدم اتخاذ إجراءات ضدها وغض النظر عن انطلاقها من البنجاب إلى الأقاليم الباكستانية الأخرى مقابل تعهدها بعدم استهداف إقليم البنجاب. وأضافت التقارير أنه إزاء تدهور الوضع الأمني بصورة واسعة النطاق، أعلن رئيس أركان الجيش الجنرال راحيل شريف، أن العدو الأكبر لباكستان ليست الهند، وإنما تغلغل المنظمات المتشددة، داعيا الحكومة الاتحادية أن تسمح للجيش بتصفية تلك المنظمات، مؤكدا أن الإرهاب الداخلي يهدد بقاء الدولة الباكستانية، وأنه جاد في تصفيتها مهما كان الثمن. تطهير كراتشي وافق رئيس الوزراء نواز شريف، بعد ضغوط قوية من المؤسسة العسكرية، على القيام بحملة تطهير واسعة في كراتشي ضد فلول القاعدة وطالبان والجبهة القومية المتحدة "المهاجرون"، وشملت الحملة أيضا الجناح العسكري في الأحزاب السياسية بما في ذلك ميليشيا حزب الشعب الباكستاني بقيادة آصف علي زرداري، وميليشيا حزب عوامي الوطني البشتوني بقيادة أسفنديار ولي خان، والميليشيا البلوشية، وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة الهندية، ومنظمة "لشكر جهنكوي" و"حركة طالبان الباكستانية". وقالت التقارير إن الجيش والأجهزة الأمنية نفذوا أكثر من 7 آلاف عملية تطهير في كراتشي ضد الإرهابيين لغاية 30 مارس الماضي، أدت إلى انخفاض عمليات الابتزاز بنسبة 85 %، وانخفاض جرائم الاختطاف من أجل الفدية بنسبة 90 %، كما نجحت عمليات التطهير أيضا في ضبط كميات كبيرة من مختلف الأسلحة، بما في ذلك قواعد إطلاق الصواريخ والأحزمة الناسفة ومختلف أنواع الأسلحة الأوتوماتيكية والذخيرة. ونجحت الحملة كذلك في تقسيم حركة المهاجرين وظهور مجموعة جديدة، تحدت للمرة الأولى قيادة رئيس الحركة ألطاف حسين، الذي يوجه ميليشيات المهاجرين من سكنه في لندن، مما عزز من سيطرة الجيش على المدينة. وألقت قوات رينجرز والقوات الخاصة وأجهزة المخابرات العسكرية القبض على 12 ألفا من المجرمين وحولت منهم 6 آلاف إلى الشرطة للتحقيق في جرائمهم وتقديمهم للمحاكم، كما ألقت القبض على 97 شخصا من قيادات المنظمات الإرهابية، بما في ذلك 26 شخصا وُضعت جوائز مالية على كل من يلقي القبض عليهم أحياء أم أمواتا. السيف القاطع ووفقا للتقارير فإن المؤسسة العسكرية كانت تنظر بقلق إلى ما يحصل في منطقة القبائل "فاتا" لاسيما وزيرستان الشمالية ووكالة خيبر، وقالت إنه في قت كان رئيس الحكومة نواز شريف يعقد مباحثات مع حركة طالبان الباكستانية لحل الأزمة بالطرق السلمية، فإن الجيش بدأ في منتصف عام 2014، عملية السيف القاطع والتي يطلق عليها أيضا "ضرب عضب"، وأعقبها بعمليتي "خيبر-1" و"خيبر-2"، شاركت فيهما قوات عسكرية خاصة مدربة على الحرب ضد الإرهاب وقوات الكماندوز والمخابرات العسكرية مدعومة بسلاح الجو الباكستاني. وأشارت التقارير إلى أن عملية السيف القاطع جاءت بعد إعلان حركتي طالبان الباكستانية وأوزبكستان المسلحة مسؤوليتهما عن الهجوم الانتحاري على مطار كراتشي بتاريخ 8 يونيو سنة 2014، لافتة إلى العملية استهدفت فلول طالبان والقاعدة في شبه الجزيرة الهندية وحركة طالبان الباكستانية وحركة شرق تركستان الانفصالية الصينية وحركة أوزبكستان الإسلامية وشبكة سراج الدين حقاني. وتمكنت عملية السيف القاطع من تطهير 98 % من وزيرستان الشمالية، وما زالت العمليات جارية في منطقة "شاوال" المتاخمة للحدود الأفغانية، حيث تنطلق منها المنظمات الإرهابية لتستهدف القوات الأميركية وقوات إيساف والجيش الوطني الأفغاني. وتفيد الإحصائيات العسكرية بأن العملية أدت إلى مقتل حوالي 5 آلاف من المتشددين، بينما تربو خسائر الجيش الباكستاني على 3 آلاف عسكري، كما تسببت عملية السيف القاطع في تقليص كبير لعمليات الإرهاب في المنطقة، حيث تشير الإحصائيات الرسمية إلى أنها انخفضت بنسبة 48 % خلال العام الماضي بالمقارنة مع إحصائيات 2014، فضلا عن ذلك فقد أدت العملية إلى تهجير حوالي مليوني نسمة من سكان وزيرستان الشمالية ووزيرستان الجنوبية إلا أن 26 % من أولئك النازحين عادوا إلى ديارهم.
عملية بلوشستان يولي الجيش والأجهزة الأمنية اهتماما خاصا بإقليم بلوشستان الإستراتيجي المطل على البحر العربي، لاسيما أنه منطلق معبر الطاقة الصيني-الباكستاني، لنقل الغاز الطبيعي بأنابيب يصل طولها إلى 3 آلاف كيلو متر من ميناء كوادر إلى "كشقر" في إقليم سينكيانك ويمر بمنطقة القبائل، والمناطق الشمالية الباكستانية "جلجت- بلتستان"، حيث رصدت الصين الشعبية 46 مليار دولار للمشروع. تفيد المؤسسة العسكرية في موقفها العلني بأن أجهزة المخابرات الهنديةوالإيرانية والأميركية والبريطانية والسويسرية تتعاون معا في دعم التمرد البلوشي بقيادة الجيش الجمهوري لتحرير بلوشستان في مساعيه لفصل الإقليم عن باكستان، وتشكيل دولة بلوشستان المستقلة، ففي عام 2008 اعترف الزعيم البلوشي "براهمان داغ بكتي" بأنه على استعداد لاستلام مساعدات من الهندوأفغانستانوإيران من أجل الدفاع عن بلوشستان. وتمتاز عمليات التطهير في بلوشستان بالتكتم الإعلامي لكن الجيش أعطي أوامر بسحق المتمردين الذين يقدر عددهم بحوالي 5 آلاف مقاتل، تدربهم أجهزة المخابرات الهندية والأفغانية على عمليات القتال في مخيمات خاصة داخل أفغانستان، كما يتسلل محاربون إضافيون إلى إقليم بلوشستان من إيران عبر إقليم "سيستان"، ومن أفغانستان، من خلال "قندهار وجمن" المتاخمتين لبلوشستان الباكستانية. وفيما لا تتوفر أرقام حول عدد قتلى عمليات التطهير في بلوشستان، إلا أنه يعتقد أن قوات الأجهزة الأمنية سحقت معظم المتمردين، مما جعل الهندوأفغانستان يستعينان بإيران لدعم التمرد البلوشي. تفجير لاهور أجبرت المؤسسة العسكرية الحكومة الاتحادية، على بدء عملية التطهير في البنجاب وإسلام أباد بعد التفجير الانتحاري ضد تجمع الأقلية المسيحية في إحدى المناسبات الدينية بلاهور في27 مارس الجاري، وأسفر عن مقتل 75 شخصا وإصابة 340 آخرين، بينهم عدد كبير من النساء والأطفال. وقالت مصادر عسكرية إن العملية جارية حاليا وسط تكتم إعلامي كبير، مشيرة إلى أن قائد فيلق لاهور الخامس الفريق عاصم سليم باجوه يشرف على العمليات التطهيرية بمساعدة قوات رينجرز والقوات الخاصة وأجهزة المخابرات العسكرية. وأضافت المصادر أن الأجهزة الأمنية تمكنت من تحديد 430 بيتا يسكنها الأجانب في العاصمة إسلام أباد منذ فبراير سنة 2014، مشيرة إلى أن الأجهزة الأمنية أجرت اتصالات بأصحاب البيوت المؤجرة لمعرفة أسماء وجوازات سفرهم، لكن فجأة اختفى أجانب يسكنون في 65 بيتا من تلك البيوت، ولا يعرف بعد فيما إذا هرب أولئك الأجانب أم أن السلطات ألقت القبض عليهم للتحقيق حول سبب بقائهم في العاصمة بصورة غير شرعية.
منظمات مستهدفة يستهدف الجيش الباكستاني حاليا عددا من الجماعات المسلحة في إقليم البنجاب، من بينها تنظيم داعش ومنظمة "لشكر جهنكوي"، وتنظيم جيش محمد، وجماعة الأحرار. ومن التنظيمات المصنفة إرهابية: 1- تنظيم داعش في ديسمبر الماضي، ألقت شرطة إقليم البنجاب القبض على 13 شخصا، وكلهم أعضاء سابقون في حركة طالبان الباكستانية، حيث أعدوا منشورا لإعلان البيعة لزعيم تنظيم داعش أبوبكر البغدادي. وقالت مصادر إن الشرطة تتبعت أولئك الأشخاص في منطقة القبائل الباكستانية بناء على معلومات تسلمتها من المخابرات التركية التي ألقت القبض على مواطنين باكستانيين ومواطن بريطاني في إسطنبول كانت مهمتهم تشكيل داعش في باكستان. وأضافت المصادر أنه يُعتقد أن تنظيم داعش في باكستان على صلة بعناصر التنظيم في خراسان، فيما ذكر التنظيم الذي يتخذ من إقليم "ننكرهار" في أفغانستان مقرا له أن هدف التنظيم هو التوسع نحو باكستانوإيرانوالهند. وأشارت المصادر إلى أن تنظيم داعش في خراسان يسيطر على 75 % من 34 إقليما أفغانيا، وأنه ينزل هزائم منكرة بحركة طالبان، لافتة إلى أن انتصارات داعش في أفغانستان تشكل خطرا كبيرا على باكستان، لاسيما في إقليمي بلوشستان وخيبر بختونخواه المتاخمين للأقسام الجنوبية الشرقية المتاخمة لباكستان، وحيث يتواجد تنظيم الدولة في خراسان. 2- لشكر جهنكوي تنشط المنظمة في إقليم البنجاب كما يوجد لها تواجد في بلوشستان والسند ومنطقة القبائل وفي أفغانستان، وفضلا عن استهداف المنظمة لعناصر من قبيلة هزارة في كويتا عاصمة بلوشستان فقد أعلنت مسؤوليتها عن اختطاف الصحفي الأميركي دانيال بيرل سنة 2002، عندما كان في كراتشي وقتلته بقطع رأسه عن جسده. وهاجمت لشكر جهنكوي عام 2009 فريق الكريكت السريلنكي في مدينة لاهور وأصابت العديد منهم، مما دفع مجلس التحكم بالكريكت العالمي ومركزه لندن يفرض حظرا على زيارة فرق الكريكت لباكستان فاضطرت إلى اللجوء إلى ملاعب الكريكت في دبي وأبوظبي والشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة. وصنفت العديد من دول العالم المنظمة بأنها إرهابية بما في ذلك الأممالمتحدة وأستراليا وكندا والهندوباكستان وروسيا الاتحادية والمملكة المتحدةوالولاياتالمتحدة، كما تعد الأجهزة الأمنية "لشكر جهنكوي" أخطر منظمة إرهابية لعلاقاتها الوثيقة مع حركة طالبان الباكستانية وحركة أوزبكستان المسلحة وجيش محمد وجند الله.
3- جيش محمد تعد منظمة جيش محمد ثاني أخطر منظمة إرهابية في إقليم البنجاب، وهي تنشط في الأقسام الجنوبية من الإقليم، ويتسلل محاربوها منه لولاية جمو وكشمير المتنازع عليها بين باكستانوالهند. وأسهمت الحركة في الهجوم على البرلمان الهندي في ديسمبر سنة 2001، والذي كاد يؤدي إلى نشوب حرب بين باكستانوالهند بعد أن أصبحتا دولتين نوويتين لولا تدخل الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلنتون الذي طلب من الهند ممارسة ضبط النفس وحل خلافاتها مع باكستان بالطرق السلمية. وتتهم الهند منظمة جيش محمد بأنها وراء الهجوم على قاعدة "بتهان كوت" الجوية في يناير الماضي، مما جعل الحكومة الباكستانية تلقي القبض على رئيسها مسعود أظهر، لكنها لم تقدمه للمحاكمة نظرا لأن المعلومات الهندية المقدمة إلى باكستان لا تكفي بإدانته في أية محكمة مدنية.
4- جماعة الأحرار تشكلت جماعة الأحرار إثر انقسامات في حركة طالبان الباكستانية، وأعلنت المجموعة المنشقة "جماعة الأحرار" تأسيسها في 4 سبتمبر سنة 2014، وبايعت الجماعة زعيم داعش أبوبكر البغدادي، وذلك رغم ارتباطها بتنظيم القاعدة ومنظمة " لشكر جهنكوي". واستهدف الجيش الباكستاني، الجماعة في عملية "خيبر-1"، فقتل معظم قياداتها، لاسيما القائد الميداني المسمى "أبوجندل" في 9 نوفمبر 2014، انتقاما من قيامها بهجوم انتحاري بتاريخ 2 نوفمبر على مواقع الجيش الباكستاني في موقع حدودي"واهكه" مع الهند بلاهور، مما أسفر عن قتل 50 شخصا وجرح 100 آخرين من العسكريين والأجهزة الأمنية المكلفة بحماية نقطة الحدود. وكانت الجماعة قد أعلنت مسؤولياتها عن التفجير الانتحاري بلاهور في مارس الماضي، كما أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم على كنيستين في بشاور عاصمة إقليم خيبر بختونخواه في نفس الشهر، مما أدى إلى قتل 15 وجرح 70 آخرين من المسيحيين.