شكل المعرض الشخصي السابع عشر للفنانة نوال مصلّي حدثاً مهماً واستثنائياً في زخم الحراك التشكيلي في جدة، رغم غياب بعض أقطاب الفن التشكيلي وهو الغياب الذي رأى فيه مراقبون أنه يعكس عدم درايتهم واهتمامهم بالإنجاز الذي حققته مصلّي على مستوى تقنيات اللون والمشهد التعبيري الذي كرس هويتها الفنية بوصفها راصدة يقظة لطبيعة المشهد الجمالي في بيئتها السعودية. من خلال اسم المعرض "رحلتي عبر ربوع بلادي زادي ريشتي وألواني" الذي افتتحه الخميس الماضي الدكتور هشام لنجاوي في صالة بيت التشكيليين، تؤطر الفنانة وجهتها التعبيرية بحدود المكان في ثلاثة اتجاهات جنوباً حيث تتراكم الخضرة وتزدحم الأشجار بكثافة لا تستطيع التقاطها سوى عين الفنان المحب والخبير، ثم شرقاً حيث يتماهى النخيل بخضرته الداكنة مع البيوت بألوانها الترابية، وتحط رحالها في الحجاز حيث تشتعل حرائق البني والأحمر في الرواشين والجدران والأبواب، حتى ليغدو المكان كتلة من البني المحروق مكللا بتيجان بيضاء تدفع بالأمل لرؤية عالم ما بعد المكان، في طبيعته الروحية، وتكوينه التراكمي الذي يخفي خلفه أسرار وحكايات الناس الذين سكنوه. الفنان هشام بنجابي قدر أن تجربة مصلّي استثنائية وجديرة بالإعجاب والتقدير، فقد تمكنت من التخلص من عبء التفاصيل لتستحوذ على المشهد الجمالي كاملاً مستخدمة ضربات لونية تلقائية لتؤكد على بكارة المكان واحتشاده بالبراءة من خلال رسم الطبيعة بأسلوب تعبيري يعكس تشوق الفنانة إلى فك ألغاز المكان وتحويله إلى مشهد يستحوذ على إحساس المتلقي ويدفعه إلى التأمل. ولاحظ لنجاوي حضور المكان الطاغي وتكراره مع تبدل في المشهد والتعبير عنه بصورة مغايرة في كل عمل على حدة، وفي حديثه آثر أن يتحدث عن ضرورة احتضان الأعمال الفنية الجيدة لكونها معبرة عن هوية مجتمع وثقافة أمة. عرضت الفنانة 42 عملاً موضوعها المكان حتى ليبدو افتتانها في استحضار الطبيعة إحدى سمات المشهد الفني المتكرر في جميع الأعمال، فلا أشخاص ولا تفاصيل ولا حضور لشيء يشتت الموضوع أو يصرف المشاهد عن موضوعها الأثير وهو بالتحديد الأرض بما فيها من حمرة التراب وخضرة الأشجار والبيوت السامقة البعيدة في معظم اللوحات وهي محاصرة بالأخضر، حتى تبدو بألوانها الصفراء الترابية وكأنها تدافع بضراوة عن حيزها المكاني وعن أحقيتها بالوجود، فتشع بألوانها الترابية، مرغمة عين المشاهد على اعتبارها نقطة ارتكاز العمل الذي تتمدد منها كل مكونات اللوحة وخطوطها وإيقاعاتها اللونية، لا تحفل لوحات مصلّي بالقيم الكلاسيكية في تكويناتها، فهناك أشجار نخيل وبيوت ووديان وجبال وأحيانا تطل علينا سماء خجولة، رسمت بمنظور صحيح ومقاييس محكمة وتوازن شكلي بين مكونات لوحتها، ولكن كل ذلك كان في لمسات تعبيرية، حتى تبدو ضربات فرشاتها وكأنها مجرد مصادفة، حين تعالج بعدة مستويات لونية المدرجات الخضراء الصاعدة نحو أفق تستثمره بتجلٍ لوني مضاد، فالأصفر الترابي والبني المحروق ينتهي أفقهما بالأبيض، والأخضر المتفجر في المكان حيث يملأ اللوحة بحضوره، ما يجعلها تجربة جديرة بالتأمل والتحليل ولا يمكن اختصارها بنظرة وحيدة وعابرة. إلى ذلك، فضل رئيس بيت التشكيليين المهندس سامي المرزوقي، الحديث عن الدعم الذي يتلقاه البيت منذ افتتاحه الأخير، مشيراً إلى حضور ودعم لنجاوي للفنون التشكيلية، وإلى متابعة بنجابي وحضوره المستمر وتشجيعه للبرامج التي ينفذها البيت، من دون أن ينسى دعم الفنان طه صبان لهذا الجهد.