رشيدة غازي حرصت المملكة كغيرها من الدول على تطوير التعليم والعملية التعليمية منذ وقت مبكِّر، إذ يعد التعليم ركيزة أساسية في تقدم الأمم واستثمارا مهما في مجال مسيرتها وضمان مستقبلها وإنارة مظهرها الثقافي؛ لذا سعت المملكة لتسجيل حضورها العالمي باهتمامها بالتعليم من خلال انتشار وتعدد الجامعات، وأخص بالذكر هنا التعليم الأهلي الذي بات ينتشر أكثر من ذي قبل مكتنفا تخصصات نادرة ومواكبا احتياجات سوق العمل، كما أن مرونته أكثر من مرونة الجامعات الحكومية في مدى انتشاره في جميع المناطق. إلا أن هذا التعليم الأهلي لا زال يقبع تحت الكثير من المعوقات التي تمنع تقدم خطواته في مصاف الجامعات الحكومية، لأنه لا زال بعيدا عن مسار الهدف وتحقيق الطموح، وذلك ما هو ملاحظ من خلال مخرجاته التي ينقصها الكثير أمام التحديات التي تواجهها ولاسيما مخرجات التعليم الطبي الأهلي! فبالرغم من الحاجة الملحة في الرعاية الصحية إضافة إلى أهمية تزويد المراكز الصحية بالعدد الكافي من الكوادر الصحية المدربة لأهمية ما يتعلَّق بصحة البشر، إلا أن واقع مخرجات هذا التعليم أمام هذه الحاجة محبط جدا؛ فمخرجات هذا التعليم تعاني تدني مستواها المعرفي إضافة إلى ضعف التدريب اللازم والمؤهل لها للعمل في هذا المجال التطبيقي، وضعف المخرجات هنا غالبا ما يعود إلى أساب عديدة لا يمكن حصرها في هذه الأسطر، ولعل أهمها: تدني مستوى الطالب الملتحق بها، فمثل هذه الكليات ملجأ من لا مكان له في صفوف الجامعات الحكومية، إذ يلتحق الطالب بهذه الكلية في تخصصات لا يرغبها أساسا، كما أنها لا تتناسب مع قدراته قبل كل شيء، ولكون هذا الطالب يعد عائدا ماديا لهذه الكليات ومع تفاوت معايير القبول فيها، إلا أن التساهل في إجراءات القبول يسهل لبعض الملتحقين بها الدخول رغم عدم أهليتهم للدراسة، فقد أصبحت الكليات الأهلية تتنافس في سهولة قبول الطالب من أجل الكسب المادي دون الاهتمام بجودة هذا المخرج لاحقا. سبب أخر ومهم أيضا، يعود إلى استقطاب بعض هذه الكليات كوادر تعليمية ضعيفة تتقاضى رواتب ضعيفة أيضا وغير مؤهلة للتدريس بها، فتعزز بذلك جانب الكسب المادي، وبهذا غلّبت المنفعة المادية على المنفعة العلمية للطالب والحصيلة التي يجب أن يخرج بها هذا الطالب من دخوله للكلية، كما غزا هذا التفكير المادي أيضا عقول طلابها ومعلميهم، إذ يعتقد الطالب أن الجانب المادي الذي أنفقه في تعليمه يذلل كل معوقات التخرج أمامه دون أدنى جهد وعناء يبذله، وينعكس هذا أيضا -كنتيجة حتمية- على أداء أستاذه، إذ يتيقن أن هذا الطالب لا يأبه بما يقدم له من معرفة علمية، وهذا ما أحدث فجوة في تعلمهم وفي تحصيلهم المعرفي. أن يصل التعليم إلى نقطة المتاجرة به أمر جد خطير، ولن تتم معالجته ما لم نر أن الاهتمام بتطور التعليم في كافة مجالاته والبحث عن أسباب ضعفه خيار استراتيجي وليس ترفا فكريا، ولا شعارا يرفع، كما يقول الدكتور حسين كامل بهاء الدين.