اطلعت على المقال المنشور في "الوطن" للكاتب قينان الغامدي بتاريخ 6/ 2 /2016 في العدد 5608 تحت عنوان: (تاريخ الهياط عريق عراقة القبيلة والجهل: لمنع نثر الفلوس واللحوم من الشبابيك!). فقد سبق أن نشرت مقالاً بصحيفة "الوطن" قبل عدة سنوات، تناولت فيه بعض الأدوار السلبية لبعض مشايخ القبائل في هذا العصر الحديث، عصر التكنولوجيا والتقنية والفضاء وحرب النجوم، وذكرت أن هذا المجتمع لا يمكن أن يرتقي ويتطور ويكون ذا شأن إلا إذا تخلى عن بعض العادات والتقاليد والأعراف القبلية التي شكلت تركيب ومكونات البناء الاجتماعي في عصر ما قبل نشوء الدولة الحديثة، والتي لم تعد تصلح لهذا العصر، بل إنها في كثير من الأحيان أصبحت حجر عثرة في تقدم المجتمع ورقيه وانفتاحه الفكري. ومن هذه الأعراف المتوارثة عدم قدرة من ينتمي إلى القبيلة على إنهاء بعض الإجراءات الخاصة به إلا بعد موافقة شيخ القبيلة مثل التصديق على بعض الأوراق الخاصة أو إثبات انتماء هذا الشخص لهذه القبيلة أو لهذه القرية، مع أن وظيفة العمدة يمكن أن تقوم مقام شيخ القبيلة في كثير من الأمور. بل لقد أثبت العمد مدى كفاءتهم وقدرتهم على حل كثير من القضايا أكثر من بعض مشايخ القبائل، مما يعطي انطباعا إيجابيا عن دور العمدة في العصر الحديث، وتوافق هذا الدور مع روح العصر والانفتاح والتطور. خلاف ما يقوم به بعض مشايخ القبائل من إثارة للنعرات القبلية وترسيخ مفهوم الثأر في نفوس الشباب، واجترار أوهام البطولات السابقة، والدعوة المتكررة للانتماء للقبيلة، وهذا كله على حساب اللحمة الوطنية وتماسك المجتمع. ومن الأمثلة الحية على ما ذكرت والتي لم يتطرق إليها الأستاذ قينان الغامدي في مقاله، انتشار ظاهرة المتاجرة بالدم بدعم من بعض مشايخ القبائل بحجة الإصلاح وحقن الدماء، مع أن هذه العادة الجاهلية المتخلفة التي تخالف كل نظم الدولة المدنية الحديثة صار لها انعكاس سلبي، حيث انتشرت الجريمة بشكل ظاهر، فالمجرم يعرف سلفا أن القبيلة ستدافع عنه وتدفع الملايين في سبيل إخراجه، وإن كان من أصحاب السوابق ومن المفسدين في الأرض. ومع ظهور القنوات الشعبية اتضح الدور السلبي الذي يمارسه بعض مشايخ القبائل، وذلك من خلال دعمهم المباشر وغير المباشر لبث الاحتفالات والأهازيج التي تعزز الافتخار بأمجاد القبيلة وثاراتها وبطولاتها الوهمية، ولكم أن تتخيلوا مدى تأثير هذا الزخم الإعلامي لقنوات (الهياط) على عقول النشء، والذي بدأت تظهر بوادره على شكل تصرفات لا مسؤولة عند كثير من شبابنا المراهق. وما حمل الأسلحة بشكل علني ومضايقة الناس وانتشار الجريمة والتحرش في الأسواق والتفحيط والخطف والسرقة وظاهرة البدوي والحضري والعضل والتفريق بين الأزواج بحجة الأصل والفصل، إلا انعكاس لأسباب عدة ومن ضمنها انتشار مثل هذه القنوات الشعبية المتخلفة التي تجد الدعم الكبير من كثير من مشايخ القبائل في المملكة. وليس أمامنا خيار إن أردنا أن نواكب العصر ونلحق بركب الحضارة غير أن نعيد الأمور إلى وضعها الطبيعي الذي يواكب روح العصر من خلال خلخلة النظام القبلي من الداخل وإعادة ترتيبه بما يتوافق مع المرحلة الحالية، ومن ذلك إجراء انتخابات لاختيار شيخ القبيلة بناء على معايير أخلاقية وسيكولوجية وعلمية واجتماعية. وإصدار قوانين تجرم التفاخر بالأنساب والأحساب "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" وتنبذ العنصرية، وتحرم كل ما من شأنه أن يشق الصف أو يضعف الانتماء للوطن.