لا شك أنّ بعض العادات والأعراف القَبَليّة تُشكل منظومةً قِيَمِية تساهم في تنظيم العلاقة بين أفراد المجتمع، كما تعتبر نظاماً موازياً للأنظمة الرسمية؛ مما يحدد أطراً مرعية، للعلاقات الاجتماعية، والسمات الأخلاقية، فيما يتوافق مع المنهج النبوي الكريم: «إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» ومن أمثلة ذلك؛ ما يتعلق بعادات حل النزاعات وإصلاح ذات البين، وقِيَم الكرم والسخاء، والتكافل الاجتماعي، وإغاثة الملهوف، والشهامة والشجاعة، وبذل الجاه والمال في سبيل الخير ومساعدة المحتاجين، وغيرها من الأعراف القَبَليّة الإيجابية، التي تستحق الإشادة والتعزيز، ولا تحتاج إلا لقليلٍ من التهذيب والتنظيم..! لكن في مقابل ذلك؛ توجد بعض العادات القَبَليّة التي تتناقض تماماً مع المنهج الشرعي، وتتصادم مع القوانين والأنظمة، ومن المؤسف أنها ما زالت تشكل جزءاً من الثقافة القبلية، ولم تنجح الأدبيات والمنابر الدينية، والمتغيرات الحضارية، في اجتثاث أصولها المتجذرة في أعماق الفرد المنتمي للقبيلة انتماءً يصل إلى حد الانقياد لكل عرفٍ قبليّ، حتى وإن تعارض مع تديّنه وتحضره، بل قد نجد من يرى مخالفة النص الشرعي أهون من كسر العرف القبليّ، الذي تشرّبه منذ نعومة أظفاره معرفةً وسلوكاً، واختزنه في عقله الباطن، وشكّل مصفوفات وعيه، وتناقضات لا وعيه، ليتصرف تلقائياً بناءً على موجهات أعرافه، في لحظات تجرده من قيمه الدينية ومكتسباته الحضارية، إرضاءً لعاداته القبلية..! الشواهد على ما سبق؛ تتمثل في العصبية القبلية، والعنصرية المقيتة، والركون إلى بعض العادات السلبية فيما يتعلق بالثأر والانتقام، بعيداً عن النظام، كما تبرز في بعض مظاهر البذخ والإسراف و«الهياط»، وكذلك في الانحياز الأعمى للقريب وابن القبيلة حتى وإن كان على باطل، وتتجلّى في سلوكيات الفخر السافر بالأنساب والأحساب لدرجة الكبر والتجاوز واحتقار الآخرين، وفي غير ذلك من مظاهر التخلف والرجعية المخالفة للدين والقوانين..! ختاماً؛ كم نحن بحاجةٍ إلى نظرةٍ شاملة وموضوعية لعاداتنا القَبَليّة، تُعزز الأعراف الإيجابية، وتتخلص من العادات السلبية..!