أكد الباحث محمد ربيع الغامدي أن المثقف السعودي لم يستفد من السير الشعبية إلا في نماذج محدودة، وأرجع ذلك إلى أن هناك أجيالا مثقفة جديدة لم تقرأ هذه السير الشعبية أو لم تتوغل فيها على عكس الشاعر محمد الثبيتي الذي عاد للسير الشعبية وظهر أثرها في قصيدتين شعريتين له. أشار الغامدي في المحاضرة التي ألقاها في نادي الطائف الأدبي مساء أول من أمس، إلى أن كل السير الشعبية فيها راو، وهناك راو آخر يختبئ خلفه، وهو ذلك الذي يطل علينا مجهولا في كل مرة ليقول: "قال الراوي"، وهما حاضران في كل السير الشعبية لكن الذي ينسب له القول عادة في (قال الراوي) يقوم بمهام عديدة في طول السيرة وعرضها يقوم بمهمة الحكي، ويمهد للسيرة ويختم لها، وينظم المشاهد كما يفعل السيناريست في الأفلام فينتقل من مشهد إلى آخر، ويوضح ويفسر حتى لو قطع السياق، ويراوح بين: الحديث نيابة عن أشخاص الحكاية، وبين إجراء الكلام على ألسنتهم، ويجمل مواقف معينة يخشى أن تصدم السامع، ويمجد أبطال السيرة وحلفائهم مقابل الحط من أعداء البطل. بين الفصيح والعامي بين الغامدي أن السير الشعبية تأخذ لغة فصحى تطفو عليها بين حين وآخر ركاكة مما شاع بين الناس في العصور المتأخرة بعد اختلاطهم بغير العرب وبعد تكاثر المولدين بينهم، وهي في نظري عامية العصر العباسي وما بعده، وحتى أبيات الشعر التي تتخلل السير الشعبية تبدو أكثر تماهيا مع اللهجات العامية في عصرها. تجارب التسريد تحدث الغامدي عن أن هناك ثلاث حزم من التجارب العربية في تسريد التاريخ تنتظم جميعها تحت مظلة "السرد والتخييل"، أولها الإخباريات العربية الأولى المتمثلة غالبا في كتابات عبيد بن شَرِّية ووهب بن منبه وأبي مخنف الغامدي، وقد وصف الدكتور عبدالله العسكر مؤلفات هذه الحزمة بالتاريخ الشعبي. والثانية السير الشعبية العربية: (المتمثلة في سيرة عنترة بن شداد والزير سالم وسيف بن ذي يزن ورأس الغول والأمير حمزة البهلوان وفتوح وادي السيسبان والأميرة ذات الهمة والظاهر بيبرس وتغريبة بني هلال).وهي نشأت على يد شعوب مقهورة، في ظل نظام رسمي هش سهل اجتياحه من المغول أولا ثم من الصليبين ثانيا. والثالثة الرواية التاريخية العربية، (كتب فيها جورجي زيدان، وجمال الغيطاني خاصة روايته الزيني بركات، وحمد الرشيدي في رواية شوال الرياض، وفوزي القبوري في رواية ملثمون في أحياء المدينة، وصلاح القرشي في رواية وادي إبراهيم) نشأت عربيا على إثر نشوئها في الغرب.