نجحت الدبلوماسية السعودية مجددا، في وضع الجانب الإيراني في منصة "الإحراج الدولي والإسلامي"، ويمكن القول إن ذلك يمثل العنوان الأبرز لمجريات الاجتماع الطارئ لمجلس وزراء خارجية الدول الإسلامية، والذي عقد أمس في جدة، لمناقشة تداعيات الاعتداءات الإيرانية على ممثليات المملكة في طهران ومشهد، في الثاني من يناير الجاري. لخص وزير الخارجية عادل الجبير "المساءلة السعودية" لطهران في الاجتماع الوزاري الطارئ، ولم يكتف فقط باستعراض المواثيق والقوانين الدولية في حماية بعثات الدول الدبلوماسية، التي تحمّل حكومة الدولة المضيفة المسؤولية الكاملة لحمايتها وحماية منسوبيها من أي اعتداءات، بل اتخذ الجبير أسلوبا ممنهجا في كلمته أمام المجتمعين، في رسم الاعتداء الأخير على البعثة الدبلوماسية السعودية، وإحراق مقارها ضمن سلسلة اعتداءات مستمرة تتعرض لها البعثات الدبلوماسية في إيران، وبشكل ممنهج، منذ 35 عاما، وأشار بوضوح إلى أن السفارات الإسلامية والأجنبية لم تسلم من تلك الاعتداءات. واتهم الجبير، في كلمته التي جاءت بناء على طلب تقدمت به المملكة في الثالث من يناير الجاري، للأمانة العامة لمنظمة التعاون، القيادة السياسية الإيرانية، بأنها لم تقدم شيئا يذكر على صعيد حماية المقار الدبلوماسية، سوى "بيانات إدانة"، لا تسمن ولا تغني من جوع، هدفت فقط إلى رفع العتب السياسي لا أكثر. الغضب السعودي عبر الجبير في وضوح عن الغضب السعودي من السلوك السياسي الإيراني، مؤكدا أن الاعتداء الأخير يأتي في إطار السياسات العدوانية لحكومة طهران، وتدخلها المستمر في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وإمعانها في التحريض والتأجيج، وإثارة الفتن الطائفية والمذهبية، التي اعتبرها السبب الرئيس لحالة التأزم وعدم الاستقرار والحروب التي تشهدها المنطقة. قال وزير الخارجية السعودي "إيران كدولة عضو لم تحترم ميثاق منظمة التعاون، وبلغ الاستفزاز إلى الدرجة التي يعلنون فيها أن بلادهم باتت تسيطر على أربعة عواصم عربية، وأنهم يدربون 200 ألف مقاتل في عدد من بلدان المنطقة، مما يشكل دليلا واضحا على سياساتها الحالية تجاه جيرانها"، مطالبا المنظمة باتخاذ موقف صارم، ينبثق من مبادئ ميثاقها، ويستند إلى أحكام الاتفاقيات والقوانين الدولية.
3 قمم حذرت طهران وصف الجبير اجتماع جدة بالتاريخي، وقال في تصريحات صحفية " إن كافة الدول الإسلامية أدانت الانتهاكات الإيرانية ما عدا إيران ولبنان التي نأت بنفسها كما فعلت في اجتماع جامعة الدول العربية، لافتا إلى أن مواقف الدول كانت واضحة وقوية جدا فيما تقوم به إيران من اعتداءات، مبينا أنه في حال أرادت إيران أن تكون محترمة في المجتمع الإسلامي والعالم بشكل عام فعليها أن تحسن من صورتها بعدم التدخل في شؤون دول المنطقة. وأضاف الجبير أن المطلوب من إيران حاليا ليست مسألة اعتذار فحسب، بل مسألة تغيير سياساتها والالتزام بمبدأ حسن الجوار وعدم دعم الميليشيات التي تقوم بقتل الأبرياء في دولهم، مشيرا إلى أن الرسالة التي تم إرسالها لإيران بكل وضوح من قبل دول مجلس التعاون ومن قبل الجامعة العربية، والآن من قبل الأمة الإسلامية "إنه كفا فالعالم الإسلامي لا يقبل تلك التصرفات، وإن استمرت فستضطر الدول الإسلامية أن تتخذ مزيدا من الإجراءات تجاه إيران". وقال الجبير مجددا، إن الحج والعمرة لن يمسّا ولن يكون هناك أي تقليص في أعداد الإيرانيين الذين نرحب بهم في المملكة. تناقض المواقف فيما زعم بعض الدبلوماسيين الإيرانيين الذين وجدوا برهة من الزمن بين الصحفيين ووسائل الإعلام، لمحاولة تحسين صورة بلاده، عبر إرسال رسائل تأكيد أن طهران لا تريد تصعيد الوضع مع المملكة، وتسعى إلى إذابة الجليد السياسي، كشف وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن الإيرانيين رفضوا الصيغة النهائية للبيان الختامي، للاجتماع الوزاري الاستثنائي، الذي دانها بشأن الاعتداء على المقار الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد. وأكد أوغلو بأنه تمت إدانة إيران على السلوك الهجومي على بعثات المملكة الدبلوماسية، وتحميلها المسؤولية كاملة، حيال واجب حماية المقرات والبعثات، وفق المواثيق والقوانين الدولية، وقال إن بلاده استنكرت تلك الأعمال العدوانية. كما لم يخف وزير الخارجية التركي امتعاض دول المنطقة من تدخلات طهران في اليمن والبحرين وسورية، موضحا أن دعم طهران لنظام الأسد غير الشرعي، تسبب في مقتل مئات الآلاف من السوريين، وتشريد الملايين.
مخالفة الميثاق أشار الأمين العام لمنظمة التعاون، إياد مدني، إلى أن التدخل في شؤون أي دولة من الدول الأعضاء من شأنه أن يخل بمقتضيات ميثاق المنظمة، والذي التزمت كل الدول بفصوله ومبادئه، وقال "استمرار تأزم العلاقات بين بعض دولنا الأعضاء يسهم في تعميق الشروخ في الكيان السياسي الإسلامي، ويكرس الاصطفافات السياسية أو المذهبية التي تبعد عن التصدي الفعال للتحديات الحقيقية التي تهدد مصير أعضاء المنظمة". وأكد أن الظرف الراهن، وما تشهده المنطقة الإسلامية، خصوصا منطقة الشرق الأوسط، من أزمات متلاحقة ومتشابكة، يستدعي التحرك بإرادة جماعية من أجل تنقية الأجواء خلال بناء جسور التفاهم، واستعادة الثقة المتبادلة بين الدول الأعضاء، بما يخدم مصالحها ويسهم في تحسين واقع شعوبها وبناء مستقبلها. وأضاف "واقع الانقسام الإسلامي والخلافات البينية المزمنة يؤثر سلبا على أداء المنظمة، ويضعف من قدرتها على الارتقاء إلى مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقها، ويخدش مصداقيتها أمام الرأي العام الإسلامي والدولي، ويجعلها في موضع المساءلة أمام أمتنا الإسلامية". إبلاغ الأممالمتحدة أدان البيان الختامي الصادر عن اجتماع جدة الاعتداءات التي تعرضت لها بعثة المملكة في طهران ومشهد، وكذلك التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول المنطقة واستمرار دعمها الإرهاب. وأيد البيان الإجراءات الشرعية والقانونية التي اتخذتها المملكة في مواجهة الاعتداءات على بعثاتها الدبلوماسية، مطالبا الأمين العام للمنظمة بإبلاغ البيان الأممالمتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية، وبرفع تقرير بشأنه للدورة القادمة لمجلس وزراء الخارجية.