أكد وزير الخارجية عادل الجبير أن الاعتداءات على بعثة المملكة العربية السعودية الدبلوماسية تأتي في إطار السياسات العدوانية لحكومة إيران، وتدخلها المستمر في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وإمعانها في التحريض والتأجيج، وإثارة الفتن الطائفية والمذهبية في المنطقة، وتُعد السبب الرئيس لحالة التأزم وعدم الاستقرار والحروب التي تشهدها منطقتنا، ومن دولة عضو لم تحترم ميثاق منظمتنا ولا مبادئها المستمدة من ديننا الإسلامي الحنيف. وقال الوزير في كلمة له أمس أمام الاجتماع الاستثنائي لمجلس وزراء الخارجية لمنظمة التعاون الإسلامي، الذي يعقد بمقر المنظمة في جدة: قد بلغ بحكومة إيران التحدي والاستفزاز إلى الدرجة التي يعلنون فيها، وبتفاخر أن بلادهم باتت تسيطر على أربع عواصم عربية، وأنهم يدربون 200 ألف مقاتل في عدد من بلدان المنطقة، ما يشكل دليلاً واضحاً على سياسات إيران الحالية تجاه جيرانها ودول المنطقة العربية. وأضاف: «إن أهمية هذا الاجتماع تَكمُن في أن هذا الاعتداء لم يكن إلا جزءاً من سلسلة اعتداءات مستمرة تتعرض لها البعثات الدبلوماسية في إيران، وبشكل ممنهج، منذ 35 عاماً، ولم تسلم منها سفارة دول إسلامية أو أجنبية، دون أن تبذل حكومة طهران أي جهد لإيقاف هذا العبث لحرمة البعثات الدبلوماسية، سوى بعض بيانات الإدانة التي تصدر عن المسؤولين في إيران، بينما مسؤولية حكومة الدولة المضيفة تتطلب منها اتخاذ الإجراءات، وليس إصدار بيانات هدفها رفع العتب أكثر من حماية البعثات الدبلوماسية بشكل عملي». وشكر الجبير في كلمته الوزراء على استجابتهم لعقد الاجتماع الطارئ، للوقوف على الاعتداءات الغاشمة، التي شهدتها كل من سفارة المملكة في طهران، وقنصليتها بمشهد، في انتهاك واضح وسافر لحرمتها ولجميع الاتفاقيات والمعاهدات والقوانين الدولية التي تجرّم ذلك، وتحمّل حكومة الدولة المضيفة المسؤولية الكاملة لحمايتها وحماية منسوبيها من أي اعتداءات. وأكد أن الاعتداء على بعثة المملكة في إيران حظي بإدانة واسعة من دول العالم، ومنظماته الإقليمية والدولية، بما فيها مجلس الأمن الدولي، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، وجامعة الدول العربية، مشدداً على أن منظمة التعاون الإسلامي مطالبة اليوم باتخاذ موقف صارم ينبثق من مبادئ ميثاقها ويستند إلى مبادئ وأحكام الاتفاقيات والقوانين الدولية. واختتم الجبير كلمته، مبيناً أن المملكة لطالما دعت إلى بناء أفضل العلاقات مع إيران، التي تستند إلى مبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الدول، إلا أن دعوتها، لم تحظ بأي استجابة من قبل حكومة طهران سوى بأقوال تناقضها الأفعال الحقيقية على الأرض . وكانت أعمال الاجتماع الوزاري الاستثنائي لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي قد بدأت أمس في جدة، بطلبٍ من المملكةِ في أعقابِ الاقتحامات، التي طالتْ بعثاتِها الدبلوماسيةَ في مدينتي طهرانَ ومشهد الإيرانيتين، وشارك في أعمال الاجتماع 37 دولة من دول الأعضاء بالمنظمة. وجدد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية الكويتي رئيس الاجتماع الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، في بداية الاجتماع الدعم والتأييد لجهود المملكة في جميع الإجراءات، التي اتخذتها لمكافحة الإرهاب بكل أشكاله وأنواعه، وأياً كانت مصادره ودوافعه. وطالب إيران الاضطلاع بمسؤولياتها في توفير كل أوجه الضمانات لحماية البعثات الدبلوماسية الموجودة على أراضيها، والالتزام بمجمل القوانين الإقليمية والدولية، لا سيما اتفاقية فيينا لعام 1961م بشأن العلاقات الدبلوماسية، واتفاقية فيينا لعام 1963م، خاصة بالعلاقات القنصلية اللتين تلزمان الدول باتخاذ جميع الخطوات اللازمة لحماية البعثات الدبلوماسية، التي تستضيفها. وأوضح أن تجاوب 37 دولة من دول الأعضاء لهذه الدعوة ومستوى التمثيل العالي الذي نشهده في هذا الاجتماع، يعكس بشكل واضح الأهمية التي توليها الدول الأعضاء لهذا الأمر المهم، مؤملاً أن يخرج الاجتماع بنتائج إيجابية. من جهته، قال أمين عام المنظمة إياد مدني في كلمته إن ما تعرضت له المقرات الدبلوماسية السعودية من أعمال تنافي الضوابطَ والممارسات الدبلوماسيةَ، مؤكداً أن التدخل في شؤون أي دولة من الدول الأعضاء من شأنِه أن يخل بمقتضيات ميثاق المنظمة، الذي التزمنا بكل فصوله ومبادئه. وأوضحِ أن استمرار تأزم العلاقات بين بعضِ دول أعضاء المنظمة، يسهم في تعميقِ الشروخ في الكيانِ السياسي الإسلامي، ويكرس الاصطفافات السياسيةَ أو المذهبيةَ التي تبعدنا عن التصدي الفاعل للتحديات الحقيقية، التي تهدد مصير دولنا الأعضاء وشعوبها، لافتاً إلى أن ما حدث خلالَ الأسابيعِ القليلة الماضية من عمليات إرهابية بشعة استهدفت عدداً من دول المنظمة، في باكستانَ وأفغانستانَ وتركيا وإندونيسيا وبوركينا فاسو وليبيا والكاميرون ومالي، وما يحدث بوتيرة لا تنقطع من قهر واضطهاد لإخواننا على التراب الفلسطيني، يدعونا لمزيد من التنسيق والتعاون في إطارِ مقاربة إسلامية جماعية تنأى عن الحسابات والمزايدات الضيقة، ما تُمكِّننا من استئصال آفة التطرُّف والإرهاب ومعالجة مسبباتها وأبعادها المختلفة بشكل جذري، ومن مواجهة الممارسات العنصرية الإسرائيلية. دانت منظمة التعاون الإسلامي في ختام اجتماعها الطارئ أمس على مستوى وزراء الخارجية الاعتداءات، التي طالت البعثة الدبلوماسية في إيران وتدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ودول أخرى أعضاء. وأكد البيان الختامي أن الاعتداءات، التي تعرضت لها بعثات المملكة تُشكل خرقاً واضحاً لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 واتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963، والقانون الدولي الذي يحمي حرمة البعثات الدبلوماسية ويفرض الحصانة والاحترام للبعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى أية دولة بوضوح ملزم للجميع. وأكد أن هذه الاعتداءات تتنافى أيضاً مع ميثاق منظمة التعاون الإسلامي وميثاق الأممالمتحدة، التي تدعو إلى تعزيز الثقة وتشجيع العلاقات الودية والاحترام المتبادل والتعاون بين الدول الأعضاء وحل النزاعات بالطرق السلمية، وصون السلم والأمن والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول. ورفض البيان وأدان كذلك التصريحات الإيرانية التحريضية فيما يتعلق بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في حق عدد من مرتكبي الجرائم الإرهابية في المملكة، وعد ذلك تدخلاً سافراً في شؤونها الداخلية، ما يتنافى مع ميثاق الأممالمتحدة وميثاق المنظمة وجميع المواثيق الدولية. كذلك أدان البيان تدخلات إيران في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ودول أخرى أعضاء ومنها البحرين واليمن وسوريا والصومال واستمرار دعمها للإرهاب. وأعرب عن دعمه وتأييده الكامل لجهود المملكة وجميع الدول الأعضاء في مكافحة الإرهاب بأشكاله وصوره كافة أياً كان مصدره وأهدافه. وأيد البيان الإجراءات الشرعية والقانونية، التي اتخذتها المملكة في مواجهة الاعتداءات على بعثاتها الدبلوماسية والقنصلية في إيران. وأكد البيانات الصادرة عن الدول الأعضاء وغير الأعضاء ومجلس الأمن الدولي، وجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية وغيرها من المنظمات الإقليمية والدولية، التي أدانت واستنكرت بشدة الاعتداءات على السفارة والقنصلية. وطالب البيان بالعمل على نبذ الأجندة الطائفية والمذهبية لما لها من آثار مدمرة وتداعيات خطيرة على أمن واستقرار الدول الأعضاء وعلى السلم والأمن الدوليين. مؤكداً أهمية توطيد علاقات حُسن الجوار بين الدول الأعضاء لما فيه خير مصلحة الشعوب اتساقاً مع ميثاق منظمة التعاون الإسلامي. كما طالب جميع الدول الأعضاء والمجتمع الدولي باتخاذ خطوات جادة وفعالة لمنع حدوث أو تكرار مثل هذه الاعتداءات مستقبلاً. ودعم البيان جميع الجهود السياسية لتحقيق تسويات دائمة للنزاعات بين الدول الأعضاء على أساس ميثاق منظمة التعاون الإسلامي والأممالمتحدة والقانون الدولي. وطالب الأمين العام للمنظمة بإبلاغ هذا البيان للأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية ورفع تقرير بشأنه إلى الدورة القادمة لمجلس وزراء الخارجية. وأشار إلى رفض وفد إيران للبيان، وأنه ينأى بنفسه عنه. كما أعلن وفد لبنان بأن بلاده تنأى أيضاً بنفسها عن البيان، فيما قدم وفد الجزائر ملاحظة تفسيرية بشأن الفقرة الخامسة تنص على أنه (التزاماً بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، فإن الإجراءات الشرعية والقانونية التي اتخذتها المملكة والمشار إليها في المادة الخامسة من البيان تخضع إلى القرارات السيادية، وبالتالي ليس على اجتماع متعدد الأطراف أن يتخذ موقفاً بشأنها).