قال الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان إن خلافه مع حزب الله بدأ بعد انتهاء ولايته الرئاسية، مشيرا إلى أن تدخل الحزب المذهبي أفشل سياسة النأي بالنفس التي اعتمدتها حكومته، وأفقدها المصداقية. وحمل سليمان في حوار مع "الوطن" الحزب مسؤولية تناقص الاستثمار الخليجي في لبنان. مؤكدا أن النظام السوري يعبث في لبنان عبر حلفائه، مجددا رفضه تطاول نصر الله على المملكة. دعا الرئيس اللبناني السابق، ميشال سليمان، المملكة للوقوف إلى جانب الشجعان في لبنان، مشيرا إلى أنهم يحتاجون إلى الدعم السعودي، الذي يساعدهم على البقاء والصمود، في ظل امتلاك حزب الله السلاح ورفضه التخلي عنه. وأشار إلى أن احتفاظ حزب الله بسلاحه أدى إلى إضعاف الدولة، وأنه حاول خلال ولايته الرئاسية إقناع قادة الحزب بتسليم سلاحهم والاكتفاء بالانخراط في العمل السياسي، إلا أن تلك المحاولة فشلت. ودعا قادة الحزب إلى الانحياز للبنان، عبر الانسحاب من سورية والالتزام بسياسة النأي بالنفس التي اعتمدتها الحكومة في "إعلان بعبدا" الشهير. وأشار سليمان إلى أن حزب الله بما يملكه من ميليشيات عسكرية وتعاونه مع نظام بشار الأسد في سورية، أسهم في تعقيد المشهد بلبنان، فضلا عن دوره في إضعاف الاقتصاد اللبناني بوجه عام، مطالبا الحزب بالانسحاب من سورية لإعادة الاستقرار إلى لبنان. وأقر سليمان في حواره مع "الوطن" بأن لبنان قد يصبح في مهب الريح، إذا تواصلت الأزمات الحالية التي تعانيها حكومة رئيس الوزراء، تمام سلام، كما تطرق إلى العديد من الموضوعات المتعلقة بالوضع الداخلي في لبنان، بما فيها دور الهبة السعودية في دعم الجيش اللبناني، والفشل في انتخاب رئيس للجمهورية على مدى أكثر من عام ونصف العام، فضلا عن تأزم الأوضاع في لبنان والتي جعلت البعض يصفه بأنه في مهب الريح نتيجة تراكم المشكلات على مدى سنوات. ورفض سليمان اتهام الجيش اللبناني بالانحياز إلى فئة دون أخرى، مؤكدا أنه مؤسسة وطنية، تتعامل بأسلوب موحد مع كافة ألوان الطيف السياسي، وتقف على مسافة واحدة منها جميعا. وتوقع أن تؤدي صفقة الأسلحة الفرنسية التي مولتها المملكة بمبالغ تتجاوز ثلاثة مليارات دولار إلى تقوية الجيش اللبناني. وانتقد سليمان - ضمنيا - امتناع وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، عن التصويت لمصلحة قرار جامعة الدول العربية خلال اجتماعها الأخير، بالوقوف صفا واحدا وراء المملكة في مواجهة التدخلات الإيرانية في المنطقة، مشيرا إلى أن ذلك الموقف يناقض إعلان بعبدا".. فإلى تفاصيل الحوار: التعامل مع حزب الله خلال وجودكم في قصر بعبدا، هل حاولتم التفاهم مع حزب الله بشأن نزع سلاحه؟ نعم، وبعد أن تم إقرار إعلان بعبدا، بادرت بجلسة الحوار التي تطرح تصورا للاستراتيجية الدفاعية، وهو تصور استنتجته من التصورات التي طرحت على الطاولة خلال سنتين، وهو ينص على أن قدرات الحزب يمكن أن يستفيد منها الجيش اللبناني، والدفاع عن أرض لبنان فقط، وليس أراضي الآخرين، وذلك بأمر من السلطة العليا، بهدف تمكين الجيش من تولي أمور الدفاع وحصرية السلاح، وهنا جاءت المساعدة السعودية وتوالت المساعدات، على أساس أنه في بضع سنوات، عندما يمتلك الجيش سلاحا نوعيا يمكن لحزب الله أن ينصرف إلى العمل المدني ويلقي السلاح، ولكن للأسف هذه الاستراتيجية لم تر النور، إلا أنها ما زالت مطروحة، وعلى الحكومات المقبلة أن تناقشها، خصوصا بعدما تغير الوضع وتدخل حزب الله في سورية، وهذا خارج عن الاستراتيجية وعن مفهوم سيادة الدولة وعن عقيدة المقاومة. كيف تناقش الحكومة هذه الاستراتيجية في ظل هذه الظروف؟ يمكن أن تجد هذه الاستراتيجية طريقها مع حل الصراع السوري، تمهيدا لحل مشكلة سلاح حزب الله في غضون ثلاث أو أربع سنوات، وإلى أن يتم ذلك، على حزب الله أن يبادر إلى إثبات مصداقية النأي بالنفس، عبر انسحابه من سورية وأماكن أخرى، من بينها البحرين، حتى يعطي الحكومة مصداقية، لكن الإثبات الأكبر هو الانسحاب من سورية، وفقا لاتفاق بعبدا، وعندها يصبح مبدأ النأي بالنفس حكيما، ولكن أن يبقى الحزب في سورية فهو يدين نفسه، ومهما أخذت الحكومة من مواقف، فلن تكون ذات مصداقية. ورأيي الشخصي أنه لن ينسحب حاليا، لكنه سينسحب عاجلا أم آجلا، وليس بعد وقت طويل، لأن فكرة التدخل في سورية مهزومة، لأن لبنان لا يمكن أن يعيش بتدخلات في الدول العربية. هل لا تزال سورية تعبث بلبنان؟ نعم، عبر حلفائها، لديها حلفاء، ولا أعلم إن كانت تملي مواقف أو تتبناها عبر حليفها حزب الله، أو التيار الوطني الحر، لكن بكل الأحوال يمكنها أن تتدخل عبر أذرعها السياسية.
الشغور الرئاسي ماذا عن الاستحقاق الرئاسي في لبنان، لا سيما بعد اقتراح تيار المستقبل ترشيح سليمان فرنجية للمنصب؟ تيار المستقبل، ممثلا برئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري أعلن عن موافقته على انتخاب سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية، ولكن قوبل هذا المقترح بالرفض من فريق 8 آذار، الذي ينتمي له فرنجية، والذي تساءل عن أسباب اختيار تيار المستقبل له، رغم أن الحريري أعلن اختياره فرنجية بكل وضوح وشفافية، وهذا حق مشروع لأي نائب أو رئيس كتلة نيابية، والكل يعلم أن سليمان فرنجية يطمح إلى الرئاسة، وقامت القيامة ولم تقعد على ما قاله الحريري، لذلك فإن الاستحقاق الرئاسي مجمد، وأنا لا أعتمد على المشاورات التي تجري خارج المجلس النيابي ولا أحبذها. تمسك حزب الله بعدم التجديد لكم لولاية رئاسية ثانية، رغم زهدكم في المنصب، إلى ماذا تعزو أسباب ذلك الإصرار؟ غير صحيح أن حزب الله رفض التجديد لي، فقد أعلنت مسبقا عدم رغبتي بالتمديد لولاية ثانية، وقلت ذلك قبل سنتين وثلاثة أشهر من انتهاء ولايتي، وتمسكت بذلك الرأي، والتأكيد على نفس الموقف في كل خطاباتي، وشددت على أنني لا أريد التمديد، كما أن خلافي مع حزب الله لم يأت قبل نهاية الولاية، إنما حصل الخلاف بعد أن رفضت التمديد. لبنان بلد ديموقراطي لا يعتمد على أشخاص، ويؤمن بتداول السلطة، وكان من المفروض أن لا يقبل ببقاء الرئيس، وهذا هو الفرق بيننا وبين الدول المحيطة بنا، التي تهدر دماء أبنائها في سبيل البقاء في السلطة.
فشل الحياد خلال فترة رئاستكم، هل نجحتم في تنفيذ سياسة الحياد التي تبنتها الحكومة؟ لم ننجح، بسبب تدخل حزب الله في الشأن السوري، ولكني نجحت بإعلان سياسة الحياد من رئيس الدولة، وبموافقة الحكومة، من خلال اعتماد إعلان بعبدا الذي هو تحييد عن الصراعات، فيما بقي فريق لم يلتزم بهذا الحياد ولكن الموقف السياسي شأن مهم. ولكن ماذا عن موقف لبنان في جامعة الدولة العربية، أول من أمس؟ في الواقع لست مسؤولا عن هذا الموقف، ولكن يبدو أنه اتخذ لتجنب الاحتكاكات الداخلية في لبنان، بين المتهمين بهذا الموقف والمعارضين له، ومعظم اللبنانيين مع المملكة وضد تدخل إيران وحزب الله في شؤون دول أخرى، كذلك فإن هذا الموقف يتناقض مع إعلان بعبدا الذي تؤيده شريحة كبيرة في لبنان، شخصيا أؤيد ما جاء في البيان، لكن ليست لي صفة رسمية، كما أن الحكومة قد تكون على دراية أكثر مني.
الجيش اللبناني ألا تخشون على الجيش اللبناني من الانقسام في وقت انقسم كل شيء بلبنان؟ أبدا، الجيش اللبناني برهن على وطنيته، في وقت تفتت الجيوش المجاورة ولم تستطع أن تصمد، النظرة من الخارج هي نظرة خشية على الجيش أكثر من كونها قناعة، ولكن هناك أمران ثبت أنهما نقطتا قوة في لبنان، فالوضع في سورية حاليا لم يؤثر في لبنان، وكذلك عندما خرجت القوات السورية عام 2005، من لبنان، تمكن الجيش الوطني من محاربة الإرهاب، والتعامل مع المتظاهرين، ونشر أفراده على الحدود الجنوبية، ما نؤكده هو أن جيش لبنان للوطن بأكمله وليس مرتبطا بالحكومات والأنظمة. لقاء خادم الحرمين زيارتك للمملكة جاءت في وقت يعاني فيه الوطن العربي مشكلات كثيرة وتحديات أكثر.. كيف تصف لقاءك بخادم الحرمين الشريفين؟ لقائي بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، مهم جدا، عنوانه الأساسي دعم الدولة اللبنانية من خلال الجيش، وهو أكبر تعبير على دعم الدولة والنظام السياسي اللبناني واتفاق الطائف، وكذلك دعم الاستقرار في لبنان، ومحاربة الإرهاب. هناك من يتهم الجيش اللبناني بأنه لم يقف في صف اللبنانيين جميعا وأنه انحاز لتيار ضد آخر؟ مرت فترة معينة نسب ذلك إلى الجيش، لكن هذه الرواية انحسرت، والجيش أثبت أنه للجميع ولكل اللبنانيين. صفقة الأسلحة إلى أين وصلت صفقة الأسلحة الفرنسية التي مولتها المملكة؟ تم توقيعها وهي دعم من السعودية على ست سنوات، بمعدل 500 مليون دولار سنويا، وهو دعم مهم جدا، فضلا عن مصادر دعم أخرى، حيث قدمت الولاياتالمتحدة مساعدات بمعدل 100 مليون دولار سنويا، والميزانية اللبنانية دعمت هي الأخرة الجيش بحوالى 150 مليون دولار على مدى خمس سنوات، وهو موضوع عملت على إقراره، إضافة إلى مليار دولار منحتها المملكة للأجهزة الأمنية، وكانت حصة الجيش منها 600 مليون دولار، وهي حيوية للجيش حيث لم يشهدها من قبل، والدعم تحقق خلال رئاستي وسيستفيد منه لبنان وجيشه خلال الفترة المقبلة.
الإساءة إلى المملكة رغم الدعم الذي تقدمه المملكة للبنان، إلا أن نصر الله دائما ما يسيء إليها، لماذا أنتم صامتون؟ لسنا معه أبدا، أنا أتذكر أن حسن نصر الله اتهم المملكة بتفجير السفارة الإيرانية في اليمن، وكان لدي خطاب ألقيته في ذلك اليوم، ورفضت الاتهام، وذكرت أنه غير مبني على وقائع، وشجبته، لدينا في لبنان شجعان، وأطلب من المملكة أن تبقى بجانب هؤلاء الشجعان، شخصيا دفعت كثيرا ثمن مواقفي الصادقة عندما قلت لا، وقد عارضني في ولايتي هذا الفريق وغيره. البعض يقول إن لبنان في مهب الريح رغم وجود اتفاق الطائف؟ نعم لبنان في مهب الريح، لكن هناك أولا اعتماد على الشعب اللبناني الذي برهن على أنه مؤمن بصيغته وباتفاق الطائف، وأكبر دليل على ذلك أنه ومنذ خمس سنوات، والوضع مستقر، في ظل تعاقب عدة رؤساء وحكومات، والأمر الثاني وجود المؤسسات الأمنية التي أثبتت كفاءتها، وهذه نقاط قوة يجب دعمها. اتفاق الطائف هو العقد الاجتماعي الجيد للبنان، وكل محاولة لتعديله إنما هي محاولة لتحريب لبنان، ومن هنا برز "لقاء الجمهورية" الذي أسسته بالأمس وينادي بتحصين اتفاق الطائف والمحافظة عليه. تورط مؤذ خسر الاقتصاد اللبناني كثيرا بسبب حزب الله، وقلة الاستثمار الخليجي، فهل من تفاهمات مع الحزب المذهبي؟ لا أستطيع القول إن حزب الله يرفض الخليجيين، لكن سياسته التي يعتمدها أبعدت الخليجيين عن الاستثمار في لبنان والسياحة فيها، بوجه خاص، هنا الخطأ في السياسة التي يتبعها الحزب، وهي سياسة مؤذية اقتصاديا. هل تتعامل الدولة اللبنانية مع جميع المواطنين بشكل عادل في الحقوق والواجبات؟ نعم، ولكن وجود السلاح بيد بعضهم، يحد من قدرة الدولة أحيانا على المساواة في المعاملة. عندما كان هناك مسلحون في طرابلس في الأحياء القديمة كانت الدولة عاجزة أو مقصرة في تأمين العدالة للمواطنين، اليوم حزب الله بيده سلاح، ولديه تنظيم عسكري قوي، وهو يترك الأمن للدولة، ولكن بحكم وجود السلاح بيد عناصره يجعلهم يتمتعون بنوع من الحماية، بإبقاء الدولة بعيدة، والمحاولات مستمرة لمعاملة الجميع بنفس المعايير، ومن ثم فأنا أطالب حزب الله بألا يقبل بوجود مرتكبي الجرائم الذين يعترف الحزب بأنه لا يغطيهم، في مناطق نفوذه، وهذا لا يكفي، بل لا بد من أن يكشف وجودهم للدولة، ويقوم بتسليمهم أو المساعدة في اعتقالهم.