تباينت الأجوبة حول هذا السؤال المستوحى من خطاب وزير الإسكان، هل فعلا أن قضية الإسكان قضية "فكر"؟ إلا أن الأجوبة تواطأت على التسطيح على حساب التعمق.. وجعلت من مفردة "الفكر" غرضا للانتقاص، حتى توارت الحقيقة في غمار السخرية. فالفكر مآل توجيهي تقتبس منه البشرية مشاعل سيرها، وعلامات مسيرها، بدءا بخصائص الأشياء وانتهاء بغاياتها. ولن يعيب القائل قوله في هذا المنحى، وولوجه من هذا الباب، لجلال قدر المقصود وعراقة أحقيته. إلا أن محاضن التلقي لدى الكثيرين درجت على النأي بذاتها عن تحمل المسؤولية الشخصية، هربا من مواجهة الحقيقة، وميلا بإفراط إلى تبرئة النفس من التقصير. فلن يكون سائغا في حكم الوجوب؛ أن نوكل تفكيرنا الشخصي المتعلق بأشيائنا الضرورية إلى غيرنا، ثم تلوكهم ألسنتنا باللوم مقابل تبرئتنا لأنفسنا، وقد حملناهم كامل المسؤولية التي هي في الأساس مسؤوليتنا التي غفلنا عن حملها، منتظرين ضربة حظ أو حلا سحريا يضمن تحقيق أهدافنا الخاصة. رب الأسرة يترتب عليه وجوبا التفكير الجدي في توفير مسكن لأسرته، وفق إمكاناته الذاتية، وليس الانتظار لحلول قد لا توافق رغباته، ليبدأ رحلة الانتظار من جديد.. والأحجى أن يبدأ بالتفكير الجدي -خصوصا الموظف- في طريقة عملية تناسب حجم مداخيله المالية، يعمل وفق معطياتها على توفير سكن مناسب، يطابق مساحة حاجته ويلائم قدرته المادية. فالمواطن عندما يتشبث بهدف الحصول على منزل ضخم في موقع مميز، ويرتهن لهذا الهدف عمرا طويلا، لتعمل الأيام على توسيع الفجوة بين الطموح والواقع، وفقا لظروف الحياة التي تكبر مع تقادم العمر، ليتضخم إطار الحاجة التي تطاله وتطال أسرته من إهدار سنين العمر فيما لا طائل من ورائه، يجوز القول فيه إنه تخلى عن التفكير المناسب الذي يهتدي من خلاله إلى طريقة عملية، من أهم مرتكزاتها ترشيد هذا الهدف ليتواضع إلى مستوى الحصول على أرض تناسب الاحتياج، ولا تزيد عنه، وتعميرها وفق حجم الملاءة النقدية، لوجدنا أن الكثيرين قد تمكنوا من تملك مساكن تؤدي نفس الغرض الذي يؤديه المنزل الحلم، وبكلفة أقل ووقت أسرع. فالموظف عندما يقتطع جزءا من راتبه لهذا الغرض، أو يخصصه كقسط لقيمة أرض أو سكن، فهذا من العمل المنطقي الذي يوحي به التفكير السليم، ولن يحول ذلك بينه وبين حقه في تملك أرض وسكن من وزارة الإسكان متى ما أستحق ذلك. فالحقيقة أن أمور الحياة متى ما افتقدت التفكير السليم تعقدت أكثر، وأقفرت من الحلول العملية التي تواكب الزمن وتعمل وفق معطياته.