يتساءل أحد أهم المختصين في علم الاجتماع في بريطانيا، ستيورات هل-Stuart Hall، في مقدمة كتابه "العرض الثقافي": "إلى أي حد عميق هو أثر بعض السمات علينا، رجلا أو امرأة، أبيض أو أسود، غنيا أو فقيرا، صغيرا أو كبيرا، مواطنا أو وافدا، مقارنة بحضورك في الإعلام"؟ مثلا بشكل مخصص: هل أنت كرجل سعودي، راض عن الصورة النمطية للرجل السعودي في الإعلام؟ "هل تشعر أن مناحي وسعيدان وغيرهما يمثلان موروثك الثقافي وشخصيتك وحياتك"؟، أو هل أنتِ كامرأة أجنبية، تعيشين في الخليج راضية عن الصورة النمطية المأخوذة عنكِ في الإعلام؟ وإلى أي حد ترينها واقعية؟ وهكذا. أسئلة على هذا الطراز وعن المجتمع البريطاني طرحها "ستيورات هل" في كتابة، وقد أولى اهتماماً كبيرا لظهور الرجل الأسود في الإعلام البريطاني الذي يعتقد أنه عرضهم بشكل عادل مقارنة بالصورة النمطية المأخوذة عن الآسيويين، العرب والصين. تبدو لك مثل هذه الأسئلة بسيطة، لكنك ما إن تنغمس فيها حتى تجدها معقدة. يعرّف بعض الباحثين "العرض الإعلامي" بوصف الناس وعكس حقيقتهم، إلا أن آخرين يعرفوّنه بالترميز للناس وتشكيل هوياتهم، وهو بذلك يمتاز بدرجة عالية من الأهمية والخطورة في التأثير على الفكر المجتمعي. الفلسطيني "إدوارد سعيد" كتب واحدا من أروع وأهم وأعرق المؤلفات في هذا الخصوص: "الاستشراق". تُرجم كتابه إلى أكثر من 36 لغة حول العالم، ناقش فيه "مظهر العرب في الإعلام الأميركي والعالمي"، وما الصورة النمطية المأخوذة عنهم؟ وكيف أسهم الاستعمار وكذلك الحروب والصراعات السياسية في تنميطها؟. لم يكتف سعيد بتمحيص الصورة النمطية عن العرب الحاضرة في الإعلام "كجزء من دراسته للاستشراق"، وإنما ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، خلال نقاش حضورهم في رسومات الفنانين والأفلام والروايات والقصائد وغيرها. بشكل أو بآخر يشير سعيد إلى أن المستشرقين "كناقلين للحياة الشرقية إلى الغرب" جاؤوا من مجتمعات متفتحة جدا، فرأوا فينا انغلاقا وتشددا، وربما لهذا يصورنا إعلامهم منغلقين. جاء المستشرقون إلينا في الوقت الذي كنا فيه تحت الخيام، نتنقل بالجمال، وربما لهذا ما زالت نمطية العرب في إعلامهم تتمحور حول الصحراء والجمل! اقترح سعيد في مقابلة أجريت معه قبل وفاته، أنه كان ينبغي أن يخضع الشرق لدراسة من شرقيين لا غربيين يستشرقون. والسبب، كي لا يتأثر استطلاعهم بخلفيتهم الثقافية سلبا.