أسعار النفط تسجل تراجعًا بنسبة 7%    أمطار رعدية غزيرة وسيول على عدة مناطق في المملكة    الشيخ أحمد عطيف يحتفل بزواج ابنه المهندس محمد    الجيش الأوكراني: روسيا تنشر معلومات كاذبة بشأن هجوم صاروخي    "كريستيانو رونالدو" يعلق على تسجيله هدفين في " الديربي" أمام الهلال    "أخضر الناشئين"يفتح ملف مواجهة تايلاند في كأس آسيا    العراق يدين استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي لمستودع طبي ومدرسة في غزة    رونالدو يعزز صدارته لهدافي دوري روشن للمحترفين    مدرب الهلال يعلن تحمل مسؤولية الخسارة    بعد رسوم ترمب.. الصين توقف إبرام اتفاق بيع تيك توك مع أميركا    أموريم: لست مجنوناً لأفكر في فوز مانشستر يونايتد بلقب الدوري الإنجليزي    ضبط (3) يمنيين في عسير لتهريبهم (66) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    «سلمان للإغاثة» يوزّع سلالًا غذائية في عدة مناطق بلبنان    رئيس هيئة الأركان العامة يستقبل قائد القيادة المركزية الأمريكية    التعاون يتفوق على الخلود والأخدود يغادر مراكز الهبوط    "دايم السيف"... الإرث والثراء الخالد    دي بروين يعلن رحيله عن مانشستر سيتي بنهاية الموسم وفولفسبورج يغازله    محمد واحمد الشعيفاني يحتفلان بزفافهما بالقصيم    إمام المسجد الحرام: الثبات على الطاعة بعد رمضان من علامات قبول العمل    إمام المسجد النبوي: الأعمال الصالحة لا تنقطع بانقضاء المواسم    بلدية رأس تنورة تختتم فعاليات عيد الفطر المبارك بحضور أكثر من 18 ألف زائر    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    نهضة وازدهار    إقبال كبير على الجناح السعودي في معرض بولونيا الدولي للكتاب    العماد والغاية    رؤية متكاملة لتنظيم سوق العقار    شكراً ملائكة الإنسانية    النوم أقل من سبع ساعات يوميًا يرفع من معدل الإصابة بالسمنة    بريد القراء    المَلّة والعريكة.. تزينان موائد عيد الطائف    ولي العهد والرئيس الإيراني يبحثان في اتصال هاتفي تطورات الأحداث في المنطقة    فرع هيئة الصحفيين بحفر الباطن يقيم حفل معايدة للإعلاميين والإعلاميات بالفرع    نجوم الفن العربي يتألقون في ليلة دايم السيف اليوم بجدة    السعودية تدين وتستنكر الغارات الإسرائيلية التي استهدفت 5 مناطق مختلفة في سوريا    المملكة تحقِّق أرقاماً تاريخية جديدة في قطاع السياحة    الملك وولي العهد يعزيان عضو المجلس الأعلى حاكم أم القيوين في وفاة والدته    مركز 911 يستقبل أكثر من 2.8 مليون مكالمة في مارس الماضي    نفاذ نظامي السجل التجاري والأسماء التجارية ابتداءً من اليوم    المملكة تستضيف "معرض التحول الصناعي 2025" في ديسمبر المقبل    المملكة تدين اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي للمسجد الأقصى    ودعنا رمضان.. وعيدكم مبارك    أكثر من 122 مليون قاصدٍ للحرمين الشريفين في شهر رمضان    العثور على رجل حي تحت الأنقاض بعد 5 أيام من زلزال ميانمار    الجيش اللبناني يغلق معبَرين غير شرعيَّين مع سوريا    الدول الثماني الأعضاء في مجموعة أوبك بلس يؤكدون التزامهم المشترك بدعم استقرار السوق البترولية    الأونكتاد: سوق الذكاء الاصطناعي يقترب من 5 تريليونات دولار    بلدية محافظة الأسياح تحتفي بعيد الفطر وتنشر البهجة بين الأهالي    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة حتى الاثنين المقبل    بلدية محافظة الشماسية تحتفل بعيد الفطر المبارك    أكثر من 30 فعالية في (٨) مواقع تنثر الفرح على سكان تبوك وزوارها    احتفالات مركز نعام بعيد الفطر المبارك 1446ه    وزارة الصحة الأمريكية تبدأ عمليات تسريح موظفيها وسط مخاوف بشأن الصحة العامة    ترحيب سعودي باتفاق طاجيكستان وقرغيزستان وأوزبكستان    طيفُ التوحدِ همٌ أُمَمِي    محافظ الطوال يؤدي صلاة عيد الفطر المبارك في جامع الوزارة ويستقبل المهنئين    باحثون روس يطورون طريقة لتشخيص التليف الكيسي من هواء الزفير    جمعية " كبار " الخيرية تعايد مرضى أنفاس الراحة    الأمير سعود بن نهار يستقبل المهنئين بعيد الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عِقد وعام على رحيل إدوارد سعيد... قارئ الثقافات وصاحب «النبوءات» بالوضع العربي
نشر في التميز يوم 01 - 11 - 2014

من طالب جامعي مشاغب، إلى فيلسوف ناقد ومنظر فكري، ترك إرثا ثقافيا عابرا للقارات ولحدود الاثنية والقومية. انه إدوارد سعيد الذي مرت 11 عاماً على وفاته ب «اللوكيميا» العام 2003، ولا تزال عبارته في وصف العالم نهاية القرن العشرين قائمة: «أماكن عديدة زالت، وأشخاص عديدون لم يعودوا على قيد الحياة، باختصار، إنه عالم اندثر»، ولو عاد الآن لوجد أن عبارته حَقَّت، وسط الصراعات الدموية والتشرذم اللذين يعصفان بالعالم العربي خصوصاً.
انه الفلسطيني حامل الجنسية الأميركية، وُلد في القدس العام 1935 لأب أميركي وأم من أصل لبناني– فلسطيني. قيل إنه عانى من «عقدة أوديب». وعاش حياته متنقلاً بين مصر وبيروت وأميركا بعد ترحيله من القدس في سن الثانية عشرة.
نشأ سعيد في وضع ميسور في كنيسة بروتستانتية مع شقيقاته الأربع بعد وفاة أخيه البكر في سن الرضاعة. كان من رواد الأوبرا ودروس البيانو التي أنبتت ثقافة موسيقية دمجها بعبقرية في نقده الأدبي في ما بعد، لا سيما في كتابه «متتاليات موسيقية». وقيل إنه سمي على اسم أمير مقاطعة «ويلز» البريطانية، علما أنه لم يكن يرق له هذا الاسم «الانكليزي» الذي احتاج أعواما ليعتاده.
أنهى دراسته الثانوية في مصر، وحاز على ماجستير في الفن من جامعة برنستون، ودكتوراه في اللغة الإنكليزية والأدب المقارن من جامعة هارفرد، عمل أستاذا في جامعة كولومبيا، وحصل على جوائز علمية وثقافية عدة. أسس معهدا موسيقياً في فلسطين، سمي بعد وفاته «معهد إدوارد سعيد للموسيقى» تكريماً له.
لم يستطع الانتماء إلى أي مكان في العالم، عاش صراعاً ثقافياً في المنفى، ظل يبحث عن الانتماء إلى «الإنسانية» بمعناها الكوني الواسع الذي مزقه الاستعمار، وفقاً لوصفه في قراءات عدة. حتى أنه قال في كتابه «خارج المكان»: «وقع خطأ في الطريقة التي تم بها اختراعي وتركيبي في عالم والديّ وشقيقاتي الأربع... كان شعوري الدائم أني في غير مكاني».
لكن المنفى كان «عدوا جميلا» له، فلولاه، ربما، لما أنتج فكره الموسوعي ووصل إلى العالمية.
يُعتبر أبرز الشخصيات المؤسسة لدراسات ما بعد الاستعمار «الكولونيالية»، وأكثر من دعا إلى الوعي «الاجتماعي» بدلاً من الوعي «القومي» في أسلوب يذيب حدود عنصرية الهوية.
وُصِف سعيد بالصوت المدافع عن القضية الفلسطينية و«حق العودة»، بسبب نشأته في فلسطين وقت قيام «إسرائيل». قال فيه محمود درويش «لم ينجب التاريخ الثقافي الفلسطيني عبقرية تضاهي إدوارد سعيد المتعدد المتفرد... سيكون له الدور الريادي في نقل اسم بلاده من المستوى السياسي الدارج إلى الوعي الثقافي العالمي ... أصبح أحد الآباء الرمزيين لفلسطين الجديدة».
في رصيده زهاء 30 كتاباً في النقد والسياسة والأدب والفن والموسيقى والثقافة والإعلام والقضية الفلسطينية، لكن لطالما ارتبط اسمه بنقد «الاستشراق» وهو عنوان مؤلفه الأبرز، والذي ترجم الى أكثر من 12 لغة، وعُرف واشتهر بفضله، حاول من خلاله تفكيك الصور النمطية التي تكونت لدى الإعلام الغربي ومفكريه، بما قدمه من أفكار حول نظرة الغرب إلى العرب والمسلمين، واصفاً المجتمعات الشرق أوسطية ب «ورثة الاستعمار والامبريالية» لما تحمله من تناقضات كثيرة أنتجها الفكر الغربي.
اعتمد سعيد التشكيك في صدقية الدراسات الغربية عن الشرق، معتبرا إياها هدفاً لتحقيق الذات بعيدا من الموضوعية، «فالغرب اختزل بأسلوب الهيمنة والتمييز العرب بصورة بائعي نفط وإرهابيين». من أبرز عباراته في هذا المجال: «لولا هؤلاء الصهاينة والإمبرياليين والمستعمرين، لو أنهم تركونا وشأننا، لكنّا الآن عظماء، ولما كنّا مهانين، أو متخلفين» .
أكثر من 40 كتاباً ألفت عنه وعن أعماله وأفكاره التي أثارت ردود فعل ناقدة ومؤيدة، فانتقد بعض الأكاديميين الشرقيين وغير الشرقيين، وبصوره حادة، منهجيته في انتقاء الفكر الاستشراقي ضمن منطقة جغرافية محددة وهي الشرق الأوسط، مهملاً مناطق أخرى كانت خاضعة للاستعمار، معتبرين أن تركيزه كان ذا هدف سياسي بحت.
البعض لقبه ب «بروفيسور الإرهاب» واتهمه بتشويه معنى «الاستشراق» وسلخه عن الايجابية، فهو يعني بالنسبة الى المستشرقين وبمعناه المجرد «دراسة العرب في النواحي السيئة والجيدة». آخرون اعتبروه مساهما في نشأة «الاستغراب» بمفهمومه السلبي، وهي الصورة النمطية اللاإنسانية عن الغرب، بعيداً عن انجازاتهم.
غير أن فريقاً ثالثاً وجد في تعبيره عن الغرب مجرد محاولة لفت الانتباه إلى انه «إنسان وطني» نشأ تحت الاحتلال، خصوصاً أنه ركز في أبحاثه على مشكلة «الانتماء في المنفى في ظل غياب الأرض»، وهو ما دفعه الى كتابة سيرته الذاتية «خارج المكان»، ولتصوير فيلم وثائقي عن حياته بعنوان «البحث عن فلسطين» صور نفسه فيه كعنصر صغير من عناصر النكبة.
الدفاع عن الإسلام أو الهجوم العنيف على الغرب، نقدان أزعجا سعيد، فدافع عن نفسه في أكثر من موضع بقوله: «الأمران لا يمتّان بصلة إلى ما نويته أصلاً في تأليف الكتاب، فأبعاده كونية طامحة لكشف جوهر الفكر الإنساني وأثر تعاقب الثقافات عليه وازدواجية الأفكار المكتسبة، وهو أبعد من الفهم المجتزأ لمعارضيه».
المؤيدون يرونه مفكراً استثنائياً وصاحب «نبوءات» بوضع الشرق الذي يثبت يوما بعد يوما عمق تفكير الرجل، وأن الانتقاد الموجه الى «الاستشراق» ولتتمته الأوسع في كتابه «الثقافة الامبريالية»، لا يلغي هدف الأطروحة الأساسي والذي استفاد منه كثيرون في إنشاء دراسات مهنية بعيدة من التبعية للنظريات الغربية، وعن الصور الملفقة للعرب، ما يصنع بدوره مثقفين مستقلين يحاولون قول الحق للسلطة، وحول هذه الفئة من المثقفين كتب مؤلفه «خيانة المثقفين».
كثيرون هم من اعتبروا ما يسمى ب «الربيع العربي» أفضل إهداء لإدوارد سعيد، فآلاف المتظاهرين حولوا أفكاره إلى شعارات ثورية، مسقطين بذلك رأي من اعتبروه «مؤولا سياسيا» بالدرجة الأولى، فلا شك أن ترسانة طروحاته المتعالية في كل زمان ومكان، أثبتت مواءمتها للأوضاع السابقة والحالية وربما المستقبلية، طالما أن الصراع الكوني بين «الأنا والآخر» مستمر منذ الأزل وحتى إشعار آخر.
* فاتنة الخطيب .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.