واشنطن: عصام عبدالله فيما تركز اجتماعات القمة الرابعة للدول العربية ودول أميركا الجنوبية التي ستعقد في الرياض الثلاثاء والأربعاء المقبلين على الجوانب الاقتصادية والسياسية، أشار عدد من المراقبين إلى أن دول أميركا الجنوبية تركز على تفعيل التعاون الاقتصادي مع دول الخليج العربية، بوصفها سوقا واعدا وعامرا بالفرص الاستثمارية، إضافة إلى ما تنعم به من استقرار سياسي، مما يجعلها بديلا عن الأسواق الأوروبية التي تعاني أزمة اقتصادية طاحنة. تعقد القمة الرابعة للدول العربية ودول أميركا الجنوبية بالرياض يومي 10 و11 نوفمبر الجاري، حيث تستضيف المملكة العربية السعودية لأول مرة قمة "أسبا"، بينما عقدت قمتها الأولى في البرازيل عام 2005، والثانية في قطر عام 2009، والثالثة في البيرو عام 2012. وتجمع القمة كل دول الجامعة العربية ومعظم دول أميركا الجنوبية أو منظمة "أوناسور" التي تضم 12 دولة هي "الأرجنتين، البرازيل، شيلي، فنزويلا، أورجواي، باراجوي، البيرو، كولومبيا، الإكوادور، بوليفيا، سورينام، جويانا". وتشمل أهمية القمة الجانبين السياسي والاقتصادي، إذ إنها إحدى تجليات التحول الاستراتيجي العالمي باتجاه آسيا، الذي غير موازين القوة في القرن الحادي والعشرين، في المجال الاقتصادي، حيث ينظر إلى تعاون "الجنوب - الجنوب" باعتباره طريقا لتغيير النظام الدولي الذي تهيمن عليه الولاياتالمتحدة والغرب عموما، وإحدى آليات التنسيق في القضايا السياسة في المحافل الدولية. من جانب آخر، تعد هذه القمة سبيلا للتعاون الاقتصادي خارج دوائر المؤسسات الدولية للرأسمالية المتوحشة مثل، صندوق النقد والبنك الدوليين، وإحدى آليات إبرام المعاهدات والاتفاقات التجارية وفتح أسواق جديدة بين دول الجنوب. آفاق واعدة وتمثل دول الخليج العربي بالنسبة لدول أميركا الجنوبية سلة من الفرص والآفاق الواعدة والعلاقات المتوازنة المستقرة، حيث تلعب المصالح الاقتصادية الدور الأكبر في توجهات دول أميركا الجنوبية لفتح أسواق جديدة في الدول العربية، كبديل عن الأسواق الأوروبية التي تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة. وفي المقابل فإن العلاقات التجارية بين دول الخليج وأميركا الجنوبية ممتدة منذ فترة طويلة على المستوى الفردي، وعلى مستوى مجلس التعاون الخليجي في المجالات الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية، وصل حجم التبادل التجاري بين الجانبين نهاية عام 2014 إلى 30 مليار دولار، بعد أن كان حوالي 6 مليارات دولار عام 2005 عند انطلاق أول قمة عربية مع دول أميركا الجنوبية في البرازيل. كما يتوقع أن تتضمن أعمال القمة الرابعة عددا من القضايا السياسية التي تهم الجانبين، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، إلى جانب تطورات الأوضاع في سورية واليمن وليبيا، بالنسبة للجانب العربي، وقضية جزر المالفينوس المتنازع عليها بين الأرجنتين وبريطانيا والعلاقة بالمنظمات الدولية وقضية الديون السيادية، بالإضافة إلى مناقشة العديد من قضايا التعاون في المجال الاقتصادي والتجاري والثقافي بالنسبة للجانب الأميركي الجنوبي. مخاوف الفقر وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها دول أميركا الجنوبية من أجل تعزيز الديموقراطية خلال السنوات الثلاثين الماضية، فإنها لم تحقق الكثير من أجل القضاء على الفساد، لكن ولأول مرة منذ عقود طويلة أصبح لديها الآن مصدر متجدد للأمل، وهو الطبقات الوسطى المزدهرة فيها والتي هي نتاج 15 سنة من التقدم الاقتصادي والاجتماعي، حيث حمل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين نسائم التفاؤل لأميركا الجنوبية. ويقدر تقرير حديث صادر عن مركز "بيو" للأبحاث أن نحو 63 مليون شخص انضموا إلى الطبقة الوسطى أخيرا، التي تقاس على أساس أن دخل الفرد ما بين 10 إلى 20 دولارا في اليوم، فقد أدى ازدهار السلع وزيادة الطلب على النفط والمعادن إلى تعزيز الاستثمار وزيادة الصادرات، وخلق فرص للعمل مع وفرة الحصول على القروض، مما حفز الاستهلاك الخاص والعام مع انخفاض لمعدلات البطالة وارتفاع في الأجور، وكلها عوامل أدت إلى زيادة أعداد الطبقة الوسطى في أميركا الجنوبية. لكن تباطؤ النمو منذ عام 2013 انعكس على بعض هذه المكاسب، حيث تقدر إحدى الدراسات الحديثة التي صدرت في سبتمبر الماضي بعنوان "الطبقة الوسطي في أميركا اللاتينية" للباحث بمركز أبحاث العلاقات الخارجية الأميركية شانون أونيل، أن 14% من الطبقة الوسطى المزدهرة في أميركا الجنوبية من المحتمل أن تسقط في براثن الفقر في السنوات العشر القادمة، إذا ظل معدل الركود في تزايد، لذا تسعى دول أميركا الجنوبية إلى حماية وتوسيع القطاعات ذات الدخل المتوسط عن طريق العلاقات التجارية مع آسيا، وعدم الاقتصار على الولاياتالمتحدة، أكبر سوق مستهلك للطاقة في العالم، أو الصين التي تتعثر اقتصاديا أو الاتحاد الأوروبي الذي يعاني من الركود الاقتصادي، وإلا فإن العقد القادم - حسب الدراسة - سيكون أصعب بكثير لدول أميركا الجنوبية مجتمعة، سواء من الدول التي شهدت طفرة في الاقتصاد، أو تلك التي تسعى للازدهار الاقتصادي. تنويع الصادرات والشراكة عبر المحيط الهادي تؤكد الدراسات أن التحديات الاقتصادية التي تواجه أميركا الجنوبية تجعلها بحاجة ملحة إلى الدول العربية في آسيا بصفة خاصة والشراكة عبر المحيط الهادي بوجه عام، لا سيما كيفية دعم النمو الشامل في أعقاب طفرة السلع الأساسية التي دامت طيلة القسم الأكبر من العقد الماضي. إن أي استراتيجية في المستقبل لا تضع في الحسبان ظاهرة عالمية مخيفة أصبحت تقض مضاجع دول الشمال والجنوب على السواء في مطلع الألفية الثالثة، وهي ما تعرف ب"عصر الآلة الثاني"، هي استراتيجية محكوم عليها بالفشل مسبقا. ومعروف أن هذا العصر سوف يؤدي إلى أن نصف ما يقرب من كل الوظائف التي يؤديها البشر حاليا، ستشغلها الروبوتات والبرمجيات فائقة التطور في غضون سنوات قليلة. من هنا كانت الحاجة العاجلة إلى تنويع صادرات دول أميركا الجنوبية المتوسطة الدخل، عن طريق الاستفادة بشكل كبير من اتفاقات "أسبا" والشراكة عبر المحيط الهادي.