مع إعلان المصارف السعودية نتائجها النصفية خلال العام الحالي 2015 حيث ما زالت تحقق أرباحا قوية، عادت إلى الواجهة المطالب بإسهامها وإشراكها في خدمة وتنمية المجتمع أسوة بدول عدة حول العالم وفي الخليج العربي خصوصا، وسط تساؤلات حول احتفاظ المصارف بربحية عالية من وراء الودائع الحكومية منعدمة الكلفة، التي من باب أولى توجيهها لمشاريع التنمية المستدامة أو معالجة أوضاع المتعسرين، وذلك بحسب ما يراه خبراء اقتصاديون. وإلى جانب توافق الآراء حول قصور مساهمة البنوك في خدمة المجتمع التي لا تتجاوز 10%، دعا اقتصاديون مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية إلى توجيه المصارف بالمساهمة في مشاريع التنمية المستدامة للمجتمع من خلال مسؤوليتها الاجتماعية عبر استراتيجية واضحة المعالم والأهداف، خلاف ما هو معمول به الآن، نظرا لما تكسبه منظومة البنوك السعودية من أرباح طائلة بالمليارات من ودائع الحسابات الجارية للدولة والأفراد، التي تصب كلها في حسابات البنوك مستغلة الأنظمة والثقافة الاجتماعية التي لا تجيز قبول الفوائد على الحسابات الجارية. ويرى المحلل الاقتصادي فضل البوعينين في تصريح إلى "الوطن" أن رفض البنوك المساهمة في المشروع الإنساني الوطني يستوجب المطالبة بفرض فائدة على حسابات المودعين الجارية، والمطالبة بفوائد على الأرصدة الحكومية الجارية في البنوك، وتحويل مجمل الفوائد المحصلة على الحسابات الجارية إلى صندوق خدمة المجتمع ومعالجة أوضاع المتعثرين المعسرين. وقال البوعينين إن استغلال البنوك السعودية للحسابات الجارية يجب أن يتوقف طالما أنها ترفض المساهمة الفاعلة في خدمة المجتمع بمشاريع للتنمية المستدامة وكذلك معالجة أوضاع المتعثرين المعسرين، مضيفا: "فالتخفيف عن المواطنين ومعالجة مشكلاتهم المالية الحرجة أولى من زيادة أرباح البنوك، التي تصب في جيوب مجموعة محدودة من المساهمين". ويرى البوعينين أن الحكومة قادرة على لعب دور فاعل في السوق السعودية، فالودائع الحكومية منعدمة الكلفة تحقق للبنوك ربحية عالية، وتوفر لها السيولة الكافية لتلبية طلبات القروض المتنامية، في الوقت الذي توفر فيه مؤسسة النقد الحماية التامة لها في مواجهة الأزمات، والغطاء الحكومي القانوني الداعم لمعالجة أوضاع كبار المتعثرين، وفق تسويات تفضيلية يصعب تحقيقها من خلال التقاضي. وبعد تجربة القطاع المصرفي الإماراتي الناجحة في إنشاء صندوق معالجة قروض المواطنين، طالب البوعينين القطاع المصرفي السعودي بإنشاء صندوق مشابه، أو تبني خطة عمل لمعالجة أوضاع المتعثرين المعسرين وشطب ديونهم، خاصة حَمَلة البطاقات الائتمانية، إضافة إلى رسم استراتيجية لمنظومة من المشاريع التنموية الاجتماعية التي تتكفل البنوك بتنفيذها استنادا لمسؤوليتها الاجتماعية. من جانبه، قال أستاذ علم الاقتصاد بجامعة الملك سعود الدكتور حبيب تركستاني ل"الوطن" إن البنوك تستفيد من الأنظمة والثقافة المجتمعية المحافظة في عدم القبول بأخذ فوائد على الودائع البنكية، حيث تكسب البنوك مليارات الريالات من هذه الودائع باعتبارها أكبر قطاع ربحي، في حين أن إسهاماتها في خدمة المجتمع لا تتجاوز 10٪، مضيفا: "وهذا يستدعي تدخل مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لتطوير أنظمة البنوك بما ينسجم مع توجه الدولة في القضاء على الفقر، وتنفيذ خططها التنموية في خدمة المجتمع". وأشار تركستاني إلى أن المجتمع في حاجة ماسة لمزيد من دعم البنوك المستحق انطلاقا من مسؤوليتها الاجتماعية وليس تفضلا منها إذا ما علمنا أن الجمعيات الخيرية تعتمد على دعم المتبرعين فقط، مطالبا البنوك بتقديم مشاريع خدمية واضحة للعيان كبناء مستشفيات ودور للأيتام، وملاعب للأحياء ومشاريع لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة ومشاريع إسكان، ومعالجة مشاكل الفقراء إلى آخر ما هنالك من مشاريع التنمية المستدامة للمجتمع.