لقي انتقاد ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء الأمير مقرن بن عبدالعزيز للمصارف في تقصيرها عن القيام بمسؤولياتها الاجتماعية وتعاملها المصرفي مع عملائها، أصداءً واسعة بين أوساط الاقتصاديين وأفراد المجتمع، مؤكدين أن حديث الأمير مقرن أتى في وقت يحتاج إلى أن تغير فيه المصارف السعودية معادلاتها. وأوضح الاقتصادي فضل البوعينين، أن المصارف السعودية لم تقدم حتى اليوم للمجتمع ما يوازي ما يقدم من حماية مالية توفرها الدولة لها، إذ حققت المصارف السعودية أعلى ربحية في تاريخها على الإطلاق العام الماضي، وبلغت 73.62 بليون ريال، لم تنفق منها على أعمال المسؤولية الاجتماعية إلا الفتات. وأكد في حديثه ل«الحياة» أن انتقاد الأمير مقرن بن عبدالعزيز للمصارف بسبب تقصيرها في دعم المحتاجين وتأسيس خدمات مجتمعية لم يأت من فراغ، فالمصارف السعودية تحقق أرباحاً عالية، وتغرق المجتمع في الديون من دون أن تتحمل مسؤولياتها المجتمعية، أو أن تفكر في تقديم بعض أرباحها لتنمية المجتمع. وأضاف البوعينين: «تحدث الأمير مقرن بلسان المواطن قبل المسؤول، وهذا ما أضفى على تصريحاته عمقاً إنسانياً وبعداً رسمياً لم نعتد على سماعه من قبل، فالقطاع المصرفي يحظى في الغالب بحماية خاصة وحصانة تبعده عن نقد المسؤولين في العلن، ويحظى بإعفاءات ضريبية وودائع ضخمة لا يدفع أرباحاً عليها». وزاد: «الأمير مقرن كان منصفاً في الإشارة إلى بعض المصارف التي تقدم مساهمات مجتمعية محدودة، إلا أنها لا ترقى إلى المأمول منها، ولا توازي ما تكسبه من أرباح ضخمة». وطالب البوعينين بتأسيس بنك لخدمة الفقراء تقوم سياسته على توفير القروض الميسرة للمحتاجين، ومنهم المتعثرون، مضيفاً: «في ألمانيا تم تأسيس بنك للفقراء شجعت فلسفته كثيراً من المودعين على إيداع أموالهم في بنك الفقراء، رغبة منهم في المساهمة في خدمة المجتمع، ومد يد العون للمحتاجين. في المملكة، مركز الإسلام، وقبلة المسلمين، ترفض المصارف المساهمة في تصحيح أوضاع المتعثرين بإعادة جدولة قروضهم، أو تمويلهم موقتاً من صندوق مساعدة المتعثرين». واستطرد البوعينين: «أعتقد أن المعاملة الخاصة والحصانة الرسمية التي تحظى بها المصارف دفعتها إلى التمادي في بخلها بدل العطاء. في جانب المسؤولية المجتمعية سأركز على جانب شطب ديون المتعثرين المعسرين، وضرورة إنشاء صندوق مساعدة المتعثرين يتم تمويله من خلال خصم واحد في المئة من الأرباح الصافية للمصارف، وبقدر استفادة المتعثرين من هذا الصندوق، فالمصارف أيضاً مستفيدة من خلال شطب ديونها المتعثرة وفق الآلية المحاسبية الإنسانية». وتمنى البوعينين أن يتبنى الأمير مقرن بن عبدالعزيز شخصياً فكرة إنشاء «صندوق مساعدة المتعثرين، «ليكون لبنة المسؤولية المجتمعية الموجهة لمساعدة المعسرين من مقترضي المصارف، بحيث يمول الصندوق باستقطاع نسبة واحد في المئة من أرباح المصارف الصافية، ويخصص لشطب ديون المتعثرين المعسرين». وأضاف: «من الظلم زج هؤلاء إلى السجون بدلاً من معالجة أوضاعهم المالية ومساعدتهم في حماية أسرهم من الضياع». من جهته، طالب الاقتصادي الدكتور عبدالله بن ربيعان، في حديثه ل«الحياة» بفك احتكار المصارف السعودية للسوق المالية، مؤكداً أن توسع المصارف في مختلف القطاعات لم يوازيه تقديم خدمات للمجتمع ومساعدته في أمور اقتصادية خيرية واجتماعية. وأكد أن المصارف أثبتت قوة احتكارية من الصعب فكاكها، إذ يسيطرون على العمليات المالية التي تشمل الإيداعات والتحويلات، والجهات الحكومية، وأسست لها أذرع تمثلها شركات الوساطة المالية وتقديم القروض والرهون العقارية، مضيفاً: «مع توسع المصارف أصبح من الصعب فرض السيطرة عليها وتقنين أعمالها، ومؤسسة النقد تواجه معادلة صعبة في فرض قدرتها على المصارف». وشدد ابن ربيعان على صحة وجهة نظر الأمير مقرن وقال: «إذ لم تقدم المصارف أعمالاً للمجتمع أمام ما تجده من تسهيلات حكومية»، متسائلاً: «هل قدمت المصارف السعودية خدمات حقيقية للمجتمع؟ وهل بنت على سبيل المثال جامعات أو قامت بمسؤوليتها المجتمعية؟». وتساءل: «لماذا ننتظر مصرفاً يذهب لمدينة في الشمال أو الجنوب ليفتتح فرعاً، نحن في حاجة لخمسة مصارف جديدة على أقل تقدير وتتركز في المناطق الشمالية والجنوبية، كما يجب فرض مبالغ على المصارف لا تقل عن 3 إلى 5 في المئة من أرباحها تذهب للخدمات الاجتماعية، فنحن في دولة لا تفرض ضرائب وتقدم تسهيلات كبيرة للمصارف». واستبعد أن تتخذ مؤسسة النقد أي إجراءات، خصوصاً في ظل الحماية المطلقة للمصارف، في مقابل ما تتعرض له المصارف الأجنبية التي دخلت السوق السعودية من تضييق في أعمالها وافتتاح الأفرع، وذلك لمصلحة المصارف السعودية. وزاد بقوله: «يجب أن تفتح السوق ويمنع الاحتكار لمصلحة عدد قليل من المصارف، ثم ستتنافس المصارف تلقائياً على تقديم خدمات جيدة للعملاء في مقابل رسوم طبيعية وخدمات اجتماعية».