سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تجديد الفقه الإسلامي مطلب عصري اتسعت الفوارق بين حال من مضى وحالنا، كما ازدادت النوازل وتغيرت ظروف المكان والزمان، وهذا يستلزم تجديد الفكر الفقهي أمام متغيرات الحياة المستمرة ومستجداتها غير المتناهية
أكمل ربنا لنا الدين، وتركنا رسولنا صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك. وقد حرصت على هذه البداية لأن البعض قد لا يدرك معنى تجديد الفكر، أو يسيء فهم مقصده ومغزاه. تجديد الفكر أصل من الأصول في "الفقه الإسلامي" يشهد له تاريخ الفقهاء. فالعلماء في اجتهاد مستمر يأتي اللاحق فيناقش من سبقه، وينقض فكرته، ويفنّد حجته. وموردهم جميعا في ذلك القرآن الكريم وما ثبت من سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. وشريعتنا العظيمة قد استوعبت كل جديد، فبقيت حية نضرةً متجددةً طوال 14 قرنا من الزمان، دخل فيها نتيجة لذلك مختلف الأجناس والحضارات، وقبلها وتناغم معها مختلف الثقافات. وفي وقتنا الحاضر توقف التجديد وبقي التقليد، ووجدنا كثيرا من فقهاء العصر وكأنهم قد آثروا السلام والاستسلام على الرغم من أنّ تجديد الاجتهاد في رأيي أصبح ضرورة ملحّة في هذا العصر أكثر من غيره. فقد اتسعت الفوارق بين حال من مضى وحالنا، كما ازدادت النوازل وتغيرت ظروف المكان والزمان، وهذا يستلزم تجديد الفكر أمام متغيرات الحياة المستمرة ومستجداتها غير المتناهية، فليس من المحافظة التقليد الذي يجلب العسر.. كما أنه ليس من الشذوذ التصحيح الذي يرفع الحرج والضيق. إن المتصفح لكتب الفقه المختلفة قديمها وجديدها لايزال يلمس قِدم الأسلوب، وغرابة السرد، ووعورة المصطلحات، وعسر الفهم، وتداخل الحواشي. إننا بحاجة إلى فكر فقهي متجدد يعيد قراءة الموجود بفهم جديد، ويبحث عمّا قصر عنه نظر من سبق، وهذا ليس تشكيكا ولا تمرداً، بل إن الغريب هو ألا يستطيع الفقهاء أن يفككوا ما اصطلح على أنه متكامل البنية، وهو من الأمور التي يمكن التدخل فيها وتشكيلها وإعادة صياغتها والتمعن في فكرتها. بل والأكثر غرابة هو أن تقف عقولنا عند نقطة وترفض أن تتجاوزها، وهي تلك النقطة التي انتهى إليها من سبق ولم يضيفوا إليها شيئا لغياب نوازل العصر المستجدة عنهم. إنّ إعمال الفكر وتجديد النظر مطلب في الأحكام ظنيّة الدلالة، فضلا عن الحوادث التي لا نص فيها ولا إجماع. فالتطورات العلمية والتكنولوجية والاكتشافات الحديثة، ومستجدات علوم الطب والاقتصاد، وتغير المفاهيم الاجتماعية، وتجدد معطيات الحضارة الإنسانية التي تغيرت أنماطها وتبدلت أعرافها، وتنوعت وسائل اتصالاتها ومصطلحاتها، كل ذلك يستلزم تجديد الفكر وإعادة النظر في لغة الخطاب الفقهي. يقول الله تعالى (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم). إن مراجعة القناعات والنظر في الآراء هو أساس الفهم، وركيزة التجديد، وأصل التعاطي مع شؤون الناس والحياة "ولا شيء ثابت سوى ثوابت الدين". وكم ضاق الفقه الإسلامي في عصرنا الحاضر عن استيعاب الكثير نتيجة الخوف والاستسلام، أو التعنت في التقليد وتبعية الرأي. وخلاصة مقالي هذا هو أننا بحاجة ماسة إلى فقهاء مجددين يعملون على تمحيص الفكر غير المُنزّل وغير المُوحى. ذلك الفكر الذي سرنا عليه مع أنه نتاج آراء تحتمل الصواب والخطأ. وهذا في ظني هو الذي سيدفع مجتمعاتنا الإسلامية إلى ساحات فسيحة من التقدم والازدهار والانسجام بعيداً عن العيش بين كتب مجتهدي القرون الماضية.