رغم لغة التهديد والوعيد والتصريحات النارية التي اتبعتها الحكومة الإيرانية بشأن سفينتها المشبوهة، وإصرارها على أن ترسو في ميناء الحديدة اليمني، دون خضوعها للتفتيش بواسطة قوات التحالف أو الأممالمتحدة، كما ينص على ذلك قرار مجلس الأمن رقم 2216، خضعت طهران أخيرا لرغبة المجتمع الدولي، وانصاعت لتوجيهات قوات التحالف، وأفرغت شحنتها في ميناء جيبوتي المخصص لاستقبال المساعدات الإنسانية لليمن، على أن تقوم المنظمة الدولية بنقل تلك المساعدات بالطريقة التي تراها مناسبة، وحسب احتياجات المواطن اليمني. وقالت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي، عبير عطيفة، إنهم تسلموا حمولة المساعدات التي نقلتها السفينة الإيرانية وإن إدارة البرنامج تقوم حاليا بإفراغها. وأضافت "السفينة تحمل 2500 طن من المساعدات الإنسانية، وتتضمن بشكل خاص الأرز ودقيق القمح، فضلا عن الأدوية والمياه والخيام والأغطية". وأضافت أن كل المساعدات الإنسانية سوف تجمع في سفن تابعة لبرنامج الأغذية العالمي، وسترسل إلى ميناء الحديدة أو ميناء عدن الجنوبي. وبدورها، أعلنت السلطات في جيبوتي أن السفينة الإيرانية وصلت في وقت متأخر مساء الجمعة. وقال رئيس سلطات الميناء أبو بكر هادي "السفينة ستفرغ تماما، لتنقل الحمولة إلى سفن أخرى، كل شيء يحصل بشفافية". وأشار مراقبون إلى أن خضوع السفينة للتفتيش وإجبارها على إفراغ حمولتها في جيبوتي، وتحميلها إلى سفن أخرى هو دليل على أن لهجة الاستقواء كانت لمجرد الاستهلاك الإعلامي، وجس نبض قوات التحالف، ومعرفة مدى إصرارها على تنفيذ مهمتها، إلا أن تصريحات القادة الإيرانيين بشأن تحدي المجتمع الدولي لم تصمد طويلا، في وجه إصرار قوات التحالف والأممالمتحدة. مشيرين إلى أن تلك التهديدات لم تتجاوز حدود التصريحات الإعلامية، وأن الوضع الميداني يبين ضعف الإدارة الإيرانية والخوف من تجاوز الخطوط الحمراء والدخول في مواجهة مع قوات التحالف. ويرى الكاتب الصحفي وأستاذ العلوم السياسية، سمير نعمان، أن إيران أرادت اختبار مدى قوة التحالف، لكنها فوجئت بموقفه الواضح العقلاني، الذي لم يرد استباق النتائج، وقال "إيران أرادت جر قوات التحالف إلى حرب كلامية لا تقدم ولا تؤخر، وسعت إلى تفجير الأوضاع وإظهار التحالف على أنه يعوق وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين في اليمن، لكن قيادة التحالف كانت أذكى من أن تنجر إلى الفخ الإيراني، وتغاضت عن كل تلك المهاترات، واكتفت بالإعلان عن أنها تملك صورة متكاملة عن التعامل مع السفينة الإيرانية إذا تجاوزت القانون، ولم تسهب في الحديث عن ذلك، رغم محاولات الاستفزاز المتكررة من جانب بعض قيادات الحرس الثوري، الذين هددوا بإشعال الخليج إذا تعرضت سفينتهم لأي محاولة احتجاز، كما أعلنوا أن مدمرتين حربيتين ترافقان السفينة إلى ميناء الحديدة، لكن قوات التحالف لم تكلف نفسها عناء الرد على تلك الترهات، واكتفت بالتأكيد على ضرورة احترام الشرعية الدولية، وبذلك وجدت إيران نفسها مرغمة، ليس على القبول بمبدأ التفتيش الدولي، بل وأذعنت للمطالب بأن تنقل حمولة سفينتها إلى سفن أخرى، تتولى إيصالها إلى المدنيين في اليمن". ومضى نعمان بالقول "مرة أخرى تخذل طهران عملاءها الحوثيين، الذين كانوا ينتظرون تلك السفينة في ميناء الحديدة، لكن انتظارهم سيطول دون فائدة، فالسفينة أفرغت حمولتها في جيبوتي، وعادت فارغة إلى بلادها، وتركتهم يلوكون الحسرة والخذلان، بعد أن تبخرت عنترية الحرس الثوري وذهبت أدراج الرياح". وكان الهلال الأحمر الإيراني قد أعلن أول من أمس أن سفينة المساعدات الإيرانية لن تذهب إلى اليمن، وسوف تفرغ حمولتها في ميناء جيبوتي كي تسلم إلى برنامج الأغذية العالمي. ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا" عن نائب الشؤون الدولية وحقوق الإنسان في المنظمة قوله "نظرا لعدم تمديد الهدنة في ميناء الحديدة اليمني، وبالتوافق مع برنامج الأغذية العالمي، سوف تفرغ سفينة إيران شاهد شحنتها في ميناء جيبوتي، ومن ثم تنقل المنظمة الدولية المساعدات الإيرانية إلى اليمن". وأضاف أن مفاوضات جارية للسماح بمشاركة بعض الكوادر في الهلال الأحمر الإيراني في توزيع المساعدات الإنسانية في اليمن، وتنتظر إيران رد منظمة الأغذية العالمية على هذا الاقتراح.